منصة الصباح
علي الدلالي
علي الدلالي

غبار ركام غزة يمطر المصالح الأمريكية

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

لا تزال آلة الحرب والقتل والدمار التي زودت بها الولايات المتحدة الأمريكية قوات الاحتلال الإسرائيلي مستمرة في سحق كل مظهر من مظاهر الحياة على الأرض في قطاع غزة، غير أن مئات الطائرات الحربية والمسيرات التي تصب الموت من السماء على رؤوس السكان المدنيين وآلاف الدبابات والمدرعات والجرافات والمدافع والزوارق الحربية التي تقصف بقصد التدمير والتخريب دون توقف منذ ما يقرب من أربعة أشهر المباني والبنى التحتية، وتجرف الطرق والمزارع، مخلفة حتى يوم الثلاثاء الماضي 26751 شهيد و65636 جريح وشهداء بالآلاف تحت الأنقاض، لم تستطع الإفراج عن شخص واحد من الأسرى الذين تحتجزهم فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع المحاصر منذ 17 عاما.
فشل حتى اليوم جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية أمريكية الصنع أمام الوسائل البسيطة بين أيدي رجال المقاومة الفلسطينية، وعجزت التقنيات الحديثة عن التفوق على الوسائل البدائية منها الأنفاق التي يعود تاريخ استخدامها في الحروب إلى آلاف السنين، فلم ترفع كتائب القسام وشهداء الأقصى الراية البيضاء ولم تعد قوات الاحتلال بأسير إسرائيلي واحد حررته بقوة النيران التي تصبها كل يوم على رؤوس سكان القطاع.
دخلت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى عش الدبابير وعلقت في مستنقع غزة وبين متاهات أنفاقها لتعود بجثامين ضباطها وجنودها بالمئات، وجرحاها ومصابيها بأمراض نفسية بالآلاف، وبحطام دبابات (الميركافا) وناقلات الجند (النمر)، ما أفضى إلى تفاقم الخلاف بين نتنياهو ووزرائه، وبينه وبين أركان قواته، في مشهد لم تعرف الدولة العبرية مثيلا له خلال كل الحروب السابقة التي خاضها جيشها مع الدول العربية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وحتى خلال الحروب السابقة على القطاع المحاصر.
ترفض الولايات المتحدة الأمريكية أي حديث عن وقف إطلاق النار في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد 2.4 ملايين فلسطيني محاصرين طيلة 17 عاما في 360 كلم2 في قطاع غزة، وهي مساحة قلصتها قوات الاحتلال إلى أكثر من النصف منذ بدء هذه الحرب الوحشية، واستخدمت واشنطن سلاح (الفيتو) لتعطيل مجلس الأمن وعرقلة اتخاذ أي قرار لوقف نزيف الدم الفلسطيني، غير أنها تعمل جاهدة هذه الأيام من خلف الكواليس على الوصول إلى الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة من خلال صفقة جديدة تشارك فيها دولة قطر بعد أن طال غبار ركام المباني التي دمرتها الطائرات الحربية الإسرائيلية وغطى سماء قطاع غزة، المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
وبالفعل، حملت رياح الشلوق في فلسطين غبار ركام المباني المدمرة وسلمته إلى رياح البواح في شبه الجزيرة العربية ورياح الطوز في العراق ورياح الهيق في اليمن ليُمطر المصالح الأمريكية وقواعدها العسكرية في المنطقة وبوارجها الحربية في البحر الأحمر وباب المندب.
أمريكا شريك بالكامل في هذه الحرب الوحشية غير الأخلاقية ضد المدنيين في قطاع غزة ومسؤولة بشكل مباشر عن آلام غزة وآهات سكانها الذين نجوا من الموت حتى الآن، وعن جوعهم وعطشهم ومرضهم وبردهم وفقدان بيوتهم، وعن تشريدهم وعليها تحمل غبار الركام المتطاير من غزة.
لكن المتغيرات المتسارعة وصمود المقاومة يدفع للتساؤل هل سينزل نتنياهو أخيرا عن الشجرة، خاصة بعد التململ الذي طفا على السطح في الشارع الإسرائيلي بسبب الخسائر الثقيلة في صفوف قوات الاحتلال، وهو ما أكده مسؤول طبي كبير في جيش الاحتلال، العقيد آفي بانوف، في تصريح نقلته صحيفة (تلغراف) اللندنية جاء فيه “إن عدد الضحايا الذين سقطوا في الأشهر الأربعة الماضية أكبرُ مما شهدته إسرائيل في العقود الأربعة الماضية، وأن الجنود يفقدون أطرافهم ويعانون إصابات في العين والوجه”، ويسير مع المناورة التي تنسج خيوطها الولايات المتحدة، وينخرط في مفاوضات غير مباشرة تضمن الإفراج عن الأسرى أو بعضهم لدى فصائل المقاومة الفلسطينية، وفق مسمى آخر غير وقف إطلاق النار ليتجنب سقوط حكومته بعد التهديدات العلنية التي أطلقها المتطرفان من أقصى اليمين، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أم أنه سيستمر في المماطلة إلى حدودها القصوى كما جاء في افتتاحية صحيفة (هآرتس) التي رأت “أن صمت نتنياهو يمهد الطريق أمام التطهير العرقي الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة”؟
يمكن للتعقيب الذي صدر مساء يوم الثلاثاء الماضي عن البيت الأبيض الذي وصف تصريحات بعض الوزراء الإسرائيليين بشأن “إعادة توطين سكان غزة”، بأنها غير مسؤولة، أن يُرجح فرصة الهدنة الطويلة التي قد تفضي إلى وقف لإطلاق النار.

شاهد أيضاً

صلاح البلاد في إصلاح التعليم

للتذكير جيل الخمسينات وانا أحدهم كانت الدولة حديثة العهد وتفتقر للمقومات ، والمجتمع يعاني متلازمة …