بقلم /سليم يونس
بدأ الرئيس ترامب عهده منذ ثلاث سنوات بانتقاد شديد لمكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) وأقال مديره بسبب التحقيقات حول الدور الروسي في انتخابات الرئاسة في العام 2016، ثمّ أقال ترامب وزير العدل جيف سيشن لأنّ الوزير لم يضغط لوقف التحقيقات. وشهد عهد ترامب حتّى الآن أكثر من ستّين استقالة أو إقالة لأشخاص كانوا يعملون في إدارته أو داخل البيت الأبيض، كان من بينهم وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس الذي أوضح في رسالة استقالته مدى خلافه مع سياسات ترامب الخارجية، ثمّ مستشاره لشؤون الأمن القومي جون بولتون.
وقد اختلف ترامب أيضا مع وكالة المخابرات الأميركية في تقييمها لعدّة قضايا دولية، كما انتقد «البنك المركزي» عدّة مرّات بسبب رفع سعر الفائدة.
وربّما من المهمّ أيضاً تذكُّر انتقادات ترامب حينما تولّى الرئاسة لوزارة الخارجية ودعوته لتقليص حجمها، ثمّ لخلافه مع عددٍ من القضاة حول قراره بحظر السفر لأميركا من عدّة دول إسلامية، ولحملاته المستمرّة ضدّ الإعلام الأميركي متّهماً إيّاه بأنه عدوّ الشعب! بل حتّى بعض أركان الحزب الجمهوري الذي يمثّله في الحكم لم يسلموا من انتقادات ترامب وهجومه على كلّ من لا يوافق على أجندته.. إذن، مشاكل ترامب كانت مع معظم المؤسّسات الفاعلة في الحياة الأمريكية، وليس فقط مع الحزب الديمقراطي، وهذا يؤكّد بأنّ المشكلة هي في ترامب نفسه وليس في الحزب الديمقراطي المنافس له الآن أو في الدولة العميقة التي يشير إليها ترامب في تصريحاته. ولا نعلم بعد ماذا يخبئ ترامب من مفاجآت في سياسته الخارجية خلال الأشهر القادمة قبل موعد الانتخابات في نوفمبر.. حيث هو بحاجة إلى حدثٍ خارجي كبير يُهمّش ما يحصل داخل الولايات المتحدة من محاولات الديمقراطيين لعزله، بعدما نجحوا في السيطرة على مجلس النواب وأقرّوا مشروع قانون عزل الرئيس عن منصبه.. لقد تحدّث ترامب عن أمريكا أوّلاً بينما ما يمارسه من سياسية خارجية أدّت وتؤدّي إلى عزلة الولايات المتّحدة دولياً حتّى مع حلفاء تاريخيين لأميركا.
وهناك أضرار تتحصّل الآن على المصالح الأميركية من جرّاء هذه السياسة «الترامبية» التي لا تأبه إلّا لتعهّدات ترامب في حملته الانتخابية، ووفق معايير شخصية محضة، ومراعاةً فقط لمصالح فئوية ترتبط بالرئيس نفسه وبقاعدته الشعبية التي تُهيمن عليها جماعات عنصرية وصهيونية متطرّفة.
إنّ شعار «أميركا أولاً» الذي رفعه ترامب في حملته الانتخابية، وكرّره ويكرّره في أكثر من مناسبة، هو نقيض الواقع والممارسة العملية لسياسة إدارته، حتّى في المجتمع الأميركي نفسه.. فشعار «أمريكا أوّلاً» يتطلّب على المستوى الداخلي رئيساً يحرص على التعدّد الإثني والعرقي في المجتمع الأمريكي، وترامب صرّح وتصرّف عكس ذلك مع الأمريكيين الأفارقة والمسلمين والمهاجرين اللاتينيين. والمصلحة القومية الأمريكية تفترض وجود رئيس في البيت الأبيض يعمل لصالح الفئات الفقيرة والمتوسّطة من الأميركيين، وترامب خدم ويخدم الفئة القليلة من الأثرياء في الكثير من مراسيمه الرئاسية وقوانين الكونغرس الجمهوري، وما يتّصل بها من مسائل الصحّة والهجرة والضرائب والضمانات الاجتماعية.
ولقد فشلت إدارة ترامب في تعديل قانون الرعاية الصحية الذي أقرّته إدارة أوباما، وفشلت حتّى الآن في وضع قانونٍ للهجرة وفي بتِّ موضوع المهاجرين غير الشرعيين المولودين في أمريكا، لكن إدارة ترامب نجحت في وضع قانونٍ جديد للضرائب وصفه الكثير من المعلّقين بأنّه جاء لصالح الشركات الكبرى والأثرياء وليس لصالح الطبقة الوسطى والفقراء. وهذا الفشل أو التعثّر لأجندة ترامب على المستوى الداخلي رافقه التحقيقات بشأن دور روسيا في الانتخابات الماضية، ثمّ تحقيقات مجلس النواب عن ضغوطاته على أوكرانيا بشأن أعمال ابن جو بيدن المرشّح الديمقراطي المنافس له في الانتخابات القادمة، إضافةً إلى ما جرى كشفه أيضاً عن فضائح علاقاتٍ جنسية قام بها ترامب قبل وصوله للبيت الأبيض، وتمنّعه عن كشف المعلومات الخاصة بحساباته الضرائبية، وهي قضايا لها تبعات قانونية وسياسية.
الحال هو نفسه على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية، حيث أخرج ترامب الولايات المتحدة من اتّفاقيات دولية وهدّد بالخروج من المزيد منها، وهي اتّفاقيات تحقّق مصالح قومية أميركية مع جيرانها الكنديين والمكسيكيين ومع الحلفاء الأوروبيين ودول أخرى في آسيا.. فأين «أميركا أولاً» في تزايد مشاعر الغضب لدى شعوب دول العالم تجاه السياسة الأمريكية ورمزها في البيت الأبيض؟!
وأين كانت المصالح القومية الأمريكية في قرار ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة «لإسرائيل» وبنقل السفارة الأميركية إليها، وهو قرار يتناقض مع قرارت دولية صادرة عن مجلس الأمن ومع سياسة أميركية سار عليها كل من سبقه من رؤساء أمريكيين؟!.