طارق حدود: الثقافة لن تنهض مالم تعد للكتاب هيبته
طارق حدود: النهضة الثقافية في عامي 2012- 2013 يجب أن تكتب بماء الذهب
محمد الجطلاوي: الميزانية لا تكفي حتى لأعمال الصيانة الدورية!
حميدة لملوم: تفعيل المكتبات داخل البلدية ضرورة ملحة
تحقيق وتصوير / سعاد الفرجاني
قد يبدو في الحديث عن موضوع تحقيقنا هذا نوع من الانحياز لأنه يتحدث عن ثقافة وطن، غير أنه ليس كذلك حين يكون حول 435 من المراكز والمكاتب الثقافية التي تمتد بامتداد الرقعة الجغرافية كالتي حملتنا بوثيقة ميلاد شرعية ونقشت على ملامح وجوهنا الهوية الليبية، وهذه ليست دعاية فارغة المضمون ولا خوض مبارزة كلامية في زمن يؤكد عدم جدوى المبارزات التي لاتجعل الكبير يصغر ولاتحول الصغير إلى عملاق.
ولئلا يتم إفراغ كلمة (الثقافة) من محتواها اتجهنا للهيأة العامة للثقافة للوقوف على الدور الذي تقوم به، البداية كانت مع مدير إدارة الفروع والمكاتب المحلية للبلديات بالهيأة العامة للثقافة طارق حدود الذي تطرق في بداية حديثه عن دور المكاتب في إثراء المشهد الثقافي بليبيا كونها حلقة من حلقات الهرم الإداري بالمكاتب المحلية بالبلديات فدورها كما يقول: يكمن في تنفيذ استراتيجية البلدية والمؤسسة الأم المتمثلة في الهيئة العامة للثقافة، فالحلقة التي يقودها المكتب الثقافي بالبلدية هي أقرب للجمهور وبالتالي هي صاحبة البصمة الأولى التي تعكس صورة الهيئة أوالبلدية سلباً أو إيجاباً.
117 مكتباً يؤدون واجبهم رغم قلة الإمكانيات
ووفقاً لقانون 59 لسنة 2012 الذي يقضي بإنشاء البلديات أقر بضرورة إنشاء جميع الوحدات الخدمية بما فيها مكاتب الثقافة، وبالتالي فإن حصر عددها يكون وفقاً لعدد البلديات، وآخر إحصائية اعتمدتها وزارة الحكم المحلي قدر عددها بحوالي 117 بلدية؛ أي هو نفس عدد المكاتب على مستوى ليبيا. فالمشهد الثقافي زخم جداً سواء من خلال عقد الندوات وحلقات النقاش وإقامة المؤتمرات وتتقيف الرأي العام الذي يعد دوراً مهماً وحيوياً ولكن للأسف المكاتب الثقافية تعاني بسبب الضبابية الواقعة بين اختصاصات البلديات والوزارات، ولكن بدأت العجلة تدور قليلاً من خلال إسقاط عمل الوزارات للأجسام المحلية المتمثلة في البلديات وفي الفترة القادمة ستسقط الثقافة كل أعمال الوزارات للبلديات.
الكم الهائل من الموظفين سببه الترهل الإداري بالدولة
وحول الكم الهائل من الموظفين الذين يتقاضون مرتبات من الدولة دون أداء عمل ملموس داخل بلدياتهم ومدنهم يعلل حدود: السبب يعود للترهل الإداري والوظيفي الذي تعانيه الدولة الليبية والمشكلة الحقيقية تكمن في المؤسسات التي تتعاقد مع الكثير من الموظفين الجدد؛ الأمر الذي يعمل على التكدس الوظيفي ويسبب مسؤولية قانونية ومالية على كاهل الدولة رغم ما تمر به من ظروف صعبة، وكذلك عدم الالتزام باللوائح والقرارات الصادرة من المجلس الرئاسي والتي تؤكد وجود تجاوزات وخروقات.
ليس بالضرورة أن يكون المثقف مديراً أو أن يكون المدير مثقفاً
أما فيما يتعلق بدور المكتب الثقافي بشكل عام يوضح: بأنه عمل إداري وهناك خلط بين عامة الناس حول مفهوم العمل الثقافي وإدارة العمل الثقافي، ويؤكد بقوله: ليس بالضرورة أن يكون المثقف مديراً أو أن يكون المدير مثقفاً، ولكن الأفضل والأسلم أن يكون المدير مثقفاً ولديه قدرة على الإدارة وهذه معادلة متزنة لا يختلف عليها اثنان.. فالقرارات التي أنشئت وفقها المؤسسة هي الهيأة العامة للثقافة وكانت في السابق وزارة الثقافة والمجتمع المدني، بعد ذلك صدر قرار بإلغاء مفوضية المجتمع المدني وفصلها عن الثقافة، وفي فترات ماضية كانت الثقافة تضم الفنون والمسرح والإعلام والخيالة وصدر قرار أيضاً بفصل الهيئة العامة للخيالة والمسرح والفنون وهذا اختصاص أصيل لهيأة مستقلة وندية للثقافة وليست موازية أو مكملة لها. وهنا يجب أن يكون تركيز الثقافة على الكتاب وإثراء المشهد الأدبي الذي نراه ضاع وتشتت في هذا الخضم؛ فالكتاب رصف جانباً والأمم لا تقوم إلا بأدبائها ومثقفيها وكتابها الذين يرسخون الموروث الثقافي الاصيل.
النهضة الثقافية في عامي 2012- 2013 يجب أن تكتب بماء الذهب
فالكتاب يبقى محفوراً في الذاكرة، فعندما يكتب يصبح كتاباً وعندما يوثق يصبح وثيقة ومرجعية ولكن إذا لم يوثق حتى لو صرفت عليه أموال طائلة لاجدوى منه، فالبرامج والأنشطة لديها هيأة مستقلة ولكن الكتاب هو اختصاص أصيل للهيأة العامة للثقافة.. وعلينا هنا أن نقف وقفة احترام وتقدير كبيرين لمن كان له الفضل وتحسب له البصمة وهو السيد الحبيب الأمين الوزير الأسبق للثقافة؛ حيث كان إنتاج الثقافة وغزارته في عامي 2012 – 2013 في ليبيا في الكتاب والتنوع الثقافي ما لا يضاهيه 50 سنة مضت كماً ونوعاً، ولابد أن تكتب هذه النقلة التي شهدتها الثقافة آنذاك بماء الذهب في كل الصحف.
بعض المنتديات تمتل نقطة مضيئة في بحر الثقافة
وللرد على من ينادي بقيام ثورة شعبية تثقيفية لا تفرضها الوزارات أو الهيئات يقول: علينا أن نوضح للمثقف والقاريء أن المؤسسات المدنية لم يستوعبها الشارع الليبي في ظل هذا المخاض الذي تمر به البلاد، كما أنها ينظر لها كعمل ربحي أكثر من كونه خيرياً، فهو قد جاء بعد الثورة كما أن عقلية وثقافة المجتمع المدني لم تستثمر أو توضع في مكانها الصحيح فهو عمل دون مقابل وليس تجارياً. وعملية أن نصل لخصخصة العمل الثقافي يصفها حدود بالبعيدة أو غير الممكنة؛ فالعمل الثقافي في العالم تشرف عليه الدول وتديره من خلال رسم ملامح استراتيجية أو رؤية خاصة بالبلد وأين تريد أن تصل بشكلها الثقافي ومن ينفذها، هنا يأتي دور الإعلاميين والصحافيين والكتاب والأدباء والشعراء، ويبقى دور الهيأة العامة للثقافة هو الإشراف فقط.. ولكن عندما تكون لدينا مؤسسة خدمية ثقافية مدنية يمكن أن يكون جزء منها ربحياً وهذا ليس عيباً إذا وصلنا لمرحلة أن نكون مجتمعاً مثقفاً يشتري الكتاب والجريدة بشكل يومي، ولكن المؤسف أن جلها ربحي، وهنا يعرج طارق حدود على الدور المهم لبعض المنتديات والمؤسسات الثقافية مثل منتدى بشير السعداوي ودار الفقيه حسن ومؤسسة الطاهر الزاوي الثقافية، وطالب بضرورة دعمها والوقوف إلى جانبها لأنها تعد النقطة المضيئة في بحر الثقافة.
دعم المثقفين يحتاج لأموال ضخمة
وحول كيفية دعم النخب المثقفة وخاصة الشباب منهم ومدى مشاركتهم في المعارض الخارجية للتعريف بكتابتهم وإنتاجهم الأدبي يشير طارق حدود إلى أن الهيئة العامة للثقافة تقوم باستقبال المخطوطات والمؤلفات بشكل مستمر، ولكن تبقى الخطوة الأهم هي عملية النشر المقيدة بمبالغ ضخمة لا تستطيع الهيأة تحملها، ولدينا إدارة الكتاب وهي تعنى بالمخطوطات ولم تخذل أحداً ولكن يقتصر دورها فقط على إدراجها، ويبقى النشر عملية في غاية الصعوبة، كما يرى في هذا السياق ضرورة تواصل الطاقات الشابة والموهوبة بالمؤسسات الدولية ودور النشر باعتبارها تمكنت من كسر الطوق والتواصل معها بشكل مباشر، والهيئة حالياً في طور الإعداد لمسابقة الشباب للقصة القصيرة ويظل ماتقوم به الهيئة اجتهادات متواضعة وليس لها الدعم الكبير، فالمشهد الثقافي لكي ينجح لا بد أن يتيح الفرصة للطاقات الشابة بحيث لا يتجاوز عمر مدير المكتب 40 عاماً، على أن يبقى كبار السن مستشارين ومرجعية فالخبرة لا تكتسب الا بإتاحة الفرصة للشباب ما سيساهم في إحداث نقلة نوعية في إدارة المؤسسات الثقافية من خلال مزج خبرات الماضي بالحاضر.
ليبيا سجلت نمواً ملحوظاً لم تسجله منذ 60 سنة مضت
وفي معرض حديثه عن حال الثقافة والمثقفين وقلة حضور الأمسيات والمحاضرات يعلل طارق حدود قلة الحضور في الندوات والأمسيات العامة بأنه ناتج عن إحباط عام يعاني منه المجتمع نتيجة للتراكمات الموجودة وفي نفس الوقت يستبشر خيراً من خلال ما إذا كانت الظروف ستتحسن خلال الشهور الستة القادمة كما كانت في السنوات 2012 – 2013 والتي سجلت نمواً ملحوظاً في التنمية البشرية لم تسجله ليبيا خلال 60 سنة ماضية.
الثقافة لن تنهض مالم تعد للكتاب هيبته
وبخصوص مقرات الثقافة التي استغلت من جهات عامة بحجة عدم أهمية الثقافة يبين حدود أن هذا الأمر يترتب عليه التزام شرعي وقانوني وعلى المجلس البلدي أن يهتم لأن ملكية هذه المقرات هي وفق قرارات صادرة ونافذة من الدولة، وبالتالي فإن تهميشها يجب ألا يسكت عليه ومحسوبة على المجلس البلدي للمدينة، ولدينا مخاطبات ومراسلات عديدة وخاطبنا وزارة الحكم المحلي ووزارة الداخلية ورئاسة الوزراء، بعضها تم استرجاعها لأنهم ببساطة ينظرون للثقافة بالمستوى المهم ولكن ليس الأهم؛ فالثقافة هي التي تبني الأمم والثقافة الليبية لن تنهض مالم يعد التعليم بشكله الصحيح ومالم ترجع للكتاب هيبته. ويوجه حدود في ختام حديثه للصحافة التحول للخصصة لأن اسمها هو دعم وتشجيع الصحافة وليس الهيئة العامة للصحافة، ويقول: أتمنى أن تصل للمدراء القائمين عليها وأن لا يضعوا خطوطاً حمراء أمام الصحافة الحرة، وأن تكون مشرفة وداعمة للمؤسسات الصحافية.
الميزانية لا تكفي حتى لأعمال الصيانة الدورية
ومن آراء المسؤولين بالهيأة العامة للثقافة إلى آراء مديري المكاتب الثقافية بعدد من المدن والبلديات التي ترسم ملامح الخريطة الليبية،
يؤكد مدير مكتب الثقافة ببلدية سوق الجمعة محمد الجطلاوي بقوله : المكتب في بداياته كان يعج بالنشاط والحيوية حيث قمنا بتنظيم مهرجانات ومحاضرات حول التنمية البشرية ومعارض للكتاب رغم قلة الإمكانيات والاعتماد على المجهودات الذاتية، ودورنا كمكتب مهم في نشر الوعي الثقافي والتوجيه والإرشاد والمحافظة على البيئة وإثراء المشهد الثقافي ومواكبته، والمؤسف حقاً أننا نعاني من قلة الدعم المالي من قبل الهيئة وأحيانا نتلقى دعماً محدوداً من قبل البلدية مثل المساهمة في إقامة الاحتفالات بمناسبة ثورة فبراير.. ويشير إلى أن مكتب الثقافة سوق الجمعة يعتبر أقل المكاتب عدداً؛ حيث يصل عدد الموظفين العاملين به إلى 53 موظفاً يؤدون عملهم من خلال مكتبة سوق الجمعة، ونظراً لصغر حجم المكتبة وتردد الكثير من الرواد عليها تمنعنا من إقامة أبسط البرامج والأنشطة، ولم توجه لنا أي دعوة رسمية من قبل الهيئة للمشاركة في المناشط الخارجية وكل الأنشطة المحلية تقام في المدارس، ومنذ عام 2015 لم تحول للمكتب أي ميزانية، وفي سنة 2018 تم تسييل مبلغ بقيمة 17000 دينار وهو مبلغ لا يكفي حتى لعمليات الصيانة أو إقامة أنشطة ثقافية متنوعة.
المطالبة بضرورة تفعيل المكتبات داخل البلدية
ومن طرابلس قادنا تحقيقنا إلى الجنوب حيث التقينا مديرة مكتب الثقافة بمدينة سبها حميدة لملوم، التي أوضحت أن للمكاتب الثقافية دوراً مهماً في نشر الوعي وزرع القيم الثقافية والاجتماعية والدينية، وهذا الأمر يتحقق بتكاتف الجهود مع جميع القطاعات التي يقع على كاهلها مسؤولية تربية وتنشئة الأطفال والأسرة التي تعد النواة الأولى ودورها مكمل لدور قطاع التعليم، ولو استطاعت هذه الأطراف أن تؤدي دورها بالتعاون مع المكاتب الثقافية لكانت المخرجات ناجحة حسب رؤيتها.
و تصف وجود موظفين بالمكاتب الثقافية دون عمل بأنها حالة عامة تعاني منها معظم القطاعات نظراً للظروف التي تمر بها البلاد، ومن جهة أخرى تطالب بضرورة تفعيل عمل المكاتب من خلال إبراز دور الأدباء والمثقفين والعمل أيضا على تفعيل المكتبات والقيام بالدورات التدريبية المستمرة ليكون دورها فعلاً هو نهج جاد للنهوض بالمجتمع.
كما تطرقت للانقسام السياسي الذي أثر تأثيراً سلبياً على مختلف الوزارات وتقول: مهما حاولنا الابتعاد عن هذا الجانب الذي زرع ثقافة سالبة أجبرت المواطن على التقوقع في مداه الضيق ومحدودية التفكير في أعباء الحياة اليومية لكن علينا ألا نضع هذا التفكير كشماعة لعدم العمل على نشر الوعي وقيام المكاتب الثقافية بدورها، ونحن كمكتب حديث لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر ولم نستلم أي ميزانية منذ افتتاحه لكننا نسعى جاهدين لخلق بيئة نظيفة لاستيعاب كل النخب المثقفة وإبراز دورها في المجتمع ومد يد العون لهم لتحقيق هدفنا ورسالتنا السامية في نشر الثقافة الإيجابية.
ويبقى للتحقيق في قادم الأيام بقية.