بقلم : آمنة الهشيك / أستاذة قانون
نص المشرع الليبي على العديد من الجرائم التي تندرج ضمن جرائم الفساد في القانون رقم (11) لسنة 2014م الخاص بإنشاء الهيئة الوطنية العامة لمكافحة الفساد ، كما تعد دولة ليبيا من الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية للأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003 م،والتي تحتل المرتبة الأولى بين القواعد الدولية ووفقا لهذه المصادقة صار اتفاق الأمم المتحدة جزءاً من المنظومة القانونية الوطنية.
ومع كل النصوص نجد زيادة معدلات جرائم الفساد تنخر في مفاصل المؤسسات ،وهو ما ثبت بالتقارير الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية و الأجهزة الرقابية و مؤخراً عن الأمم المتحدة .
و يرجح ذلك للعديد من أسباب أهمها / باستقراء سياسة التجريم والعقاب المتبعة من قبل المشرع الليبي لمكافحة جرائم الفساد نجد بعض الجرائم لا توافق نصوصها مع ما نصت عليه الاتفاقية الدولية، إلى جانب أنها جاءت بصيغ عامة فضفاضة في تحديد جرائم الفساد تحتمل عدة معاني، مما يصعب تكييفها ، كما أهمل التناسب بين بعض الجرائم والعقوبات المقررة لها على الرغم من خطورتها، فالتناسب بين الجريمة المرتكبة والعقوبة المقررة لها يحقق الردع والعدالة وهو أهم أهدافها ، وكما يقول سيزاري بكاريا ” إنه يكفي أن يفوق الأذى الذي تنطوي عليه العقوبة ، الفائدة التي حصل عليها المجرم من الجريمة”
التوسع في السلطة التقديرية للإدارة التنفيذية دون وضع آلية قانونية واضحة يستند عليها الموظف العام في أداء عمله ، يؤدي في أغلب الأحيان إلى استغلالها ، مما يسهل ارتكاب جرائم فساد كجريمة إساءة استعمال السلطة أو جريمة الواسطة والمحسوبية أو الإثراء الغير مشروع ،الخ…. فمثل الجرائم تتميز بسهولة ارتكابها وصعوبة الكشف عنها نظرا لاستغلال السلطة الممنوحة له ، كذلك التوسع الغير مبرر في منح الحصانات ،فلابد من خلق نوع من التوازن بين الحصانة من جهة ومكافحة الفساد من جهة أخرى وهو الأولى بالاعتبار.
عدم الاستفادة من تجارب الدول التي نجحت في تحجيمه ، “سنغافورة” كنموذج ، فبعد ما كانت على شفا من الانهيار ، وكان الفساد نمط حياة بالنسبة لشعبها ،أصبحت من التجارب الرائدة بين الدول ، ومثال يحتدى به ، حيث ركزت على سن قوانين صارمة وتشريعات خاصة بالفساد اتسمت بالمرونة لضمان تعديلها بحسب التطورات والظروف السياسية والاقتصادية ، والتزمت بتطبيقها دون أي تمييز بين المتهمين ، فانتهاء مهمته الوظيفية لا تعفيه من المساءلة القانونية متى ما تورط بأي من جرائم الفساد على أن تتم محاكمتهم علنا ، كما أنشأت مكتب خاص بالتحقيق مع منحه صلاحيات واسعة لضمان مبدأ الشفافية ؛ للإفصاح عن الذمم المالية لذوي المناصب العليا، وحرية وصولها إلى المعلومات اللازمة مع منحها كامل الحماية ، حرصت على منح الجهاز القضائي الاستقلالية التامة لأداء عمله بفعالية بدون أي ضغوطات من السلطات الأخرى. فالأداء الفعلي لمكافحة جرائم الفساد يكمن بمقدار عدد الأحكام الصادرة بالإدانة ذلك أنه يعزز الشعور بالعدالة وإلزامية تطبيق القانون .
الفساد أشبه بالخلايا السرطانية سريع الانتشار إذا ما وجد البيئة الحاضنة له ، لذلك مكافحته بالنصوص والوسائل التقليدية غير مجدي . فهو ليس معركة مؤقتة بل التزام طويل الأمد يتطلب استراتيجيات متطورة واسعة النطاق ومحددة الأهداف لضمان مستقبل يليق بمجتمعنا .