منصة الصباح
من طرابلس: المتحف الوطني الليبي...حين تتحول الذاكرة إلى قوة ناعمة

من طرابلس: المتحف الوطني الليبي…حين تتحول الذاكرة إلى قوة ناعمة

مصباح قديري
رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائريين

————
لم يكن افتتاح المتحف الوطني الليبي في طرابلس مجرد مناسبة ثقافية عابرة، بل شكّل لحظةً دلاليةً عميقةً تؤكد أن ليبيا قادرة على استعادة موقعها الطبيعي في خارطة الحضارة الإنسانية.

فالحدث، بما حمله من تنظيم محكم وحضور نوعي، عكس إرادةً واضحةً في إعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية، وجعلها ركيزةً أساسيةً في بناء الوعي الجماعي.

وقد تشرفتُ بحضور حفل افتتاح المتحف الوطني الليبي، وكنتُ شاهدًا عن قرب على دقة التنظيم والإعداد، وعلى الرسائل الرمزية العميقة التي حملها هذا الحدث الثقافي البارز.

وهي شهادةٌ تؤكد أن ليبيا تملك من الكفاءات والإرادة ما يؤهلها لتنظيم تظاهرات ثقافية كبرى وفق معايير احترافية تعكس صورةً حضاريةً مشرّفةً.

إن المتاحف ليست مجرد فضاءات لعرض القطع الأثرية، بل هي مؤسساتٌ معرفيةٌ وسياديةٌ تحفظ التاريخ من النسيان، وتمنح الشعوب القدرة على قراءة ماضيها بوعي ومسؤولية.

ومن هذا المنطلق، فإن افتتاح المتحف الوطني الليبي يحمل بُعدًا يتجاوز الثقافة، ليُرسّخ الهوية ويعزز الانتماء الوطني في بلد تعاقبت عليه حضاراتٌ كبرى تركت بصماتها الواضحة في الجغرافيا والإنسان.

ليبيا، التي احتضنت عبر تاريخها حضاراتٍ متعددةً من عصور ما قبل التاريخ إلى الإغريق والرومان والبيزنطيين، ثم الحضارة الإسلامية والليبية المتجذرة، لا تفتش عن هويتها بقدر ما تعيد تقديمها للعالم بصيغةٍ حديثةٍ وواعيةٍ.

فتنوعها الحضاري ليس عبئًا تاريخيًا، بل مصدرُ قوةٍ وثراءٍ ثقافيٍ يميزها عن غيرها.

ويمثل المتحف الوطني اليوم رسالةً حضاريةً مفادها أن ليبيا تملك تاريخها، وتحسن صونه، وتدرك أهمية توظيفه في صياغة المستقبل.

فالدول التي تستثمر في ذاكرتها الثقافية إنما تبني أساسًا متينًا للتقدم، لأن المعرفة بالتاريخ ليست ترفًا فكريًا، بل شرطًا من شروط النهضة والاستقرار.

وفي هذا السياق، يصبح المتحف الوطني الليبي أكثر من مجرد مبنىً ثقافيٍ؛ إنه مساحةٌ للوعي، ومنصةٌ للحوار الحضاري، وأداةٌ من أدوات القوة الناعمة التي تعكس صورة ليبيا الحقيقية:

دولةً ذات عمقٍ تاريخيٍ، وهويةٍ راسخةٍ، وطموحٍ مشروعٍ نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا.

ليبيا اليوم لا تكتفي بعرض ماضيها، بل تعلن، من خلال هذا الصرح، أنها أمةٌ تعرف من أين جاءت، وتدرك جيدًا إلى أين تتجه.

شاهد أيضاً

علي البوزيدي .. أربع سنوات على رحيل الفنان الكوميدي الظريف

علي البوزيدي .. أربع سنوات على رحيل الفنان الكوميدي الظريف

تحل اليوم الذكرى الرابعة لرحيل الفنان الكوميدي الكبير علي البوزيدي، المشهور بشخصية “قتيلة”، بعد مسيرة …