منصة الصباح

اللِّيبيُّونَ وهِوايَةُ التَّنَمُّرِ الإِلِكْتْرُونِيِّ

د. علي عاشور

تحول التنمر الإلكتروني إلى هواية شعبية يمارسها عدد غير قليل من الليبيين بمواقع التواصل الاجتماعي وبمهارة تامة، لا يهم إن كنت طفلًا بريئًا، أو شابًا يافعًا، أو امرأة تحاول التعبير عن رأيها، أو شيخًا يحاول اللحاق بالتقنيات الحديثة، المهم أنك ستجد نفسك يومًا ما في مرمى نيران التعليقات الجارحة التي تطلق بلا حن أو هوادة، وكأنك دخلت حلبة مصارعة بدلاً من موقع للتواصل الاجتماعي.

لقد صدمت عندما قرأت عدداً من التعليقات التي احتوت على كمية فضيعة من التنمر، عندما حاول طفل أن يشارك رسمته البسيطة بنشرها على صفحته في فيس بوك، أحدهم كتب له معلقاً: (يا ودي خليك من الرسم وركز على جدول الضرب)، وتعليق أخر: رسمة شنو هذه اللي أنت ناشرها؟ وثالث علق: إياك تفكر ترسم مرة أخرى…. وغيرها من العبارات الجارحة والتي لا أستطيع كتابتها.

أما الشباب فقصتهم مأساوية ومضحكة في وقت واحد، فمجرد نشر صورة عادية يتحول الأمر إلى كارثة قومية، خاصةً إذا كانت قديمة أو كنت ترتدي لباسًا تقليديًا، سيأتيك التعليق اللاذع:  (بالله هذي جلسة تصوير وإلا حفلة تنكرية؟)، وإذا ظهرت في صورة مع الأصدقاء: تشبه هلبه جون قرنغ.

أما النساء، فهنا يبدأ فصل أخر من مأساة التنمر، المرأة الليبية على مواقع التواصل تعامل وكأنها دخلت إلى أرض محرمة، والأدهى من ذلك أن بعض النساء أنفسهن يتصدرن صفوف التنمر على نساء أخريات، وكأن الهدف ليس التعبير عن الرأي، بل إثبات أن التنمر موهبة يُمارسها الجميع دون تمييز.

أما كبار السن الذين قرروا كسر حاجزى العمر والزمن بالتواصل مع الجيل الجديد، فهؤلاء لهم نصيب خاص من التنمر، فهذا رجل متقدم في العمر ينشر صورة قديمة أيام شبابه معتقدًا أنه سيحظى بالإعجاب، لتتفاجأ بالتعليقات: (وين كانت الكهرباء في ذاك الوقت؟)، (هذي صورة ولا وثيقة تاريخية؟)، (غير كيف كنت تحلق فيها التحليقه هذي بس؟).

المشكلة ليست في النقد اللاذع، بل في التلذذ بالجروح التي تسببها تلك الكلمات، فهؤلاء المتنمرون يعتبرون أنفسهم أبطالًاً في الكوميديا السوداء، غير مدركين أن سخريتهم تترك جروحاً عميقة في نفوس الآخرين، فقد يضحك الشخص الذي تعرض للتنمر ظاهريًا، لكنه خلف الشاشة يحمل همومًا ثقيلة وكلمات قاسية ربما لا يمكنه نسيانها أبدًا.

كما أن المفارقة المضحكة في الموضوع أن أغلب هؤلاء المتنمرين أنفسهم لا يتحملون كلمة نقد واحدة، إن قمت بالتعليق على منشورهم تعليقًا بسيطًا، يردون عليك بمحاضرة عن الأخلاق والقيم واحترام الآراء، وكأن التنمر بالنسبة لهم حق خاص لا يجوز المساس به أو الإقتراب منه.

لهذا فإن الحل لهذه الظاهرة في ليبيا يجب أن يكون جزءاً من استراتيجية وطنية تتعاون فيها المدرسة، ووسائل الإعلام، وخطباء المساجد، ومنظمات المجتمع المدني، وذلك من خلال غرس القيم الإنسانية للأطفال منذ الصغر، وتوجيه الإعلام لنشر الوعي حول مخاطر هذه الظاهرة، إلى دور المدرسة في تصحيح السلوكيات وتقويمها، والمسجد في تعزيز الأخلاق الحميدة التي أمرنا الله بها، ومنظمات المجتمع المدني التي يمكنها توعية المجتمع بمخاطر التنمر وأثره في الأفراد والمجتمع اللليبي.

وقد نحتاج أيضًا لحملات جماعية تحمل رسائل توعية قوية، مثل (قبل أن تضغط… تأكد أن تعليقك لن يسبب كارثة)، لكن حتى ذلك الحين، يبقى الأمل في أن نكون جميعًا على استعداد لمواجهة هذه الظاهرة، إذ أن أي صورة أو منشور قد يتحول إلى فرصة جديدة لإطلاق نيران التنمر والسخرية.

 

 

شاهد أيضاً

مابولولو والهوني يقودان الأهلي للفوز على الاتحاد المصراتي

قاد الهداف الأنغولي مابولولو ونجمه حمدو الهوني فريقهما الأهلي طرابلس إلى تحقيق فوزه الثالث على …