كاميرا خلفية
بقلم/أحمد الرحال
تستعمل مفردة (التخلف) للإشارة إلى ما هو عكس (التقدم)، فنقول “أمم متقدمة وأمم متخلفة، أو دول متقدمة وأخرى متخلفة”.
حين يشار إلى قوم بكونهم متخلفين يكون نعتهم بالتخلف سبة أو عيبا يلحقهم حتى وإن تسبب في تخلفهم غيرهم. فتقدم الأمم يحتاج إلى نضال ليس بالضرورة أن يكون مسلحا، ذلك أن التخلف الثقافي أو الحضاري أو الفكري هو السبب الرئيس في انتكاس الشعوب لتكون في الخلف دائما.
لن أسترسل في الحديث هكذا، فمقالي هنا ليس بهذا الشمول؛ غير أن ما جعلني أتحدث عن مفردة التخلف كان قصة تتكرر بشكل يومي في شوارعنا وبيوتنا وفي بلادنا عموما.
كنت وصديقي في سيارتي وكنت أسير في الشارع في اتجاه غير مخالف وبسرعة عادية ووصلنا إلى جزيرة دوران وكان الشارع الذي أمامنا لا يسمح بعودة أي سيارة لأنه في اتجاه واحد، ركنت سيارتي لصديقي بعد أن تجاوزت الشارع بقليل وأنا أدور حول جزيرة الدوران. ولكن فجأة خرجت علينا دراجة نارية تحمل شابين ناريين، أحدهما يقود والآخر خلفه. الذي يقود كاد يصدمنا أو ربما هكذا ادعى. الجهة التي كان قادما منها كما بدا جليا هي الجهة الممنوعة، فتح صديقي الباب لينزل فإذا بالمتقدم الذي يقود يلومني بكوني الحاج الذي كاد يتسبب في حادث رهيب، أنا كنت تقريبا ساكتا، أما صديقي فقد حاول أن يشرح للشاب (المتقدم يقود) بأن الأمر انتهى ولا بأس.
ما لفت انتباهي في هذا المشهد هو الفرق بين الشاب المتقدم الذي يقود والشاب المتخلف كونه يجلس في الخلف وهو المقود. الشاب المتقدم الذي يقود تمادى حين رآنا لا نرد وصار يشرح لنا كيف تكون القيادة ظنا منه أننا تأثرنا بكلامه وربما انتظر منا أن نبكي أيضا بسبب موعظته وشروحه المؤثرة. بينما كان المتخلف خلفه يعتذر منا ويبتسم ابتسامة شعرت معها أن مستاء من أسلوب من يقوده.
هذا الذي سردته هو قصة يومية تتكرر في شوارعنا، فتجد قائد سيارة أو مجموعة أو فريق يحاول استعمال غطاء القيادة ليتظاهر بتقدمه. وقد تجد شخصا يسير في الشارع على قدميه ويجالس أصحابه ويسلم على الناس ولا تظهر عليه علامة من علامات القيادة لكن الناس يظنونه متخلفا.
العجيب أن (المتقدمين) هؤلاء يستعملون في كلامهم لغة دينية فيها آيات قرآنية أو أحاديث أو مواقف من السيرة النبوية. ولكن لتخلفهم الفكري والحضاري والثقافي والعقلي أحيانا لم يعرفوا أن الله تعالى وصف تواضع رسوله صلى الله عليه وسلم فقال عنه (يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) وهما صفتان دقيقتان لإنسانية الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. من يعي أنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق يعلم يقينا أنه كغيره من البشر. والبشر الذي يعيش مع البشر هو واحد من مجاميع كثيرة، أي لا يتكلم أكثر منهم، بل يستمع ليتعلم ويفهم ثم ليعرف ما يقول.
الوسومالقيادة المتخلفة
شاهد أيضاً
التومي على مذكرة تعاون مع وزارة اللامركزية الجيبوتي
الصباح وقع وزير الحكم المحلي بدر الدين التومي ، و وزير اللامركزية الجيبوتي قاسم هارون …