في أحد مقاهي حيّ كارين الراقي بالعاصمة الكينية نيروبي، يحرص الباريستا على طحن حبوب البن الكيني من الدرجة “AA” بعناية، في مشهد يتكرر يوميًا ويعكس الجودة العالية لهذا المنتج المحلي. غير أن هذه الحبة الصغيرة تحمل في طيّاتها قصة أكثر تعقيدًا، تتعلّق بالإرث الاستعماري وتوزيع الأرباح في سلاسل القيمة العالمية.
بحسب تقرير نشرته وكالة شينخوا الصينية في 27 مايو 2025، فإن الدول الإفريقية، رغم إنتاجها لأنواع نادرة ومطلوبة من البن، لا تزال تكتفي بتصدير المادة الخام، بينما تذهب معظم الأرباح إلى الشركات الأجنبية التي تتحكم في عمليات التحميص والتعبئة والتسويق.
ووفقًا للتقرير، يتم تصدير أكثر من 90٪ من القهوة الإفريقية دون تحميصها محليًا، ما يحرم المزارعين والدول المنتِجة من فرص كبيرة لتحقيق قيمة مضافة. ففي كينيا، مثلًا، يُباع الكيلوغرام الواحد من البن المحمّص في الأسواق الأوروبية بأكثر من 20 دولارًا، بينما لا يتجاوز ما يتحصل عليه المزارع المحلي دولارًا واحدًا في أفضل الحالات.
التقرير يشير إلى أن هذه الفجوة تُعيد إنتاج أنماط اقتصادية تعود إلى الحقبة الاستعمارية، حيث تقوم الدول الإفريقية بدور “المزوّد الخام” للمواد الأولية، دون التمكن من التحكم في مسارات التصنيع والتسويق.
مع ذلك، بدأت تظهر مبادرات محلية لمحاولة كسر هذا النموذج. تقول ليليان نغونغي، وهي سيدة أعمال كينية تدير مشروعًا لتحميص البن في نيروبي: “لسنوات كنا ننتج البن للآخرين. حان الوقت لنمتلك علامتنا التجارية ونوجه منتجاتنا للأسواق بأنفسنا.”
لكن التحديات لا تزال كبيرة، بما في ذلك نقص البنية التحتية، والحواجز التجارية، والمنافسة القوية من الشركات الكبرى.
يؤكد التقرير أن دولًا مثل إثيوبيا بدأت خطوات تدريجية لتصدير البن المحمّص مباشرة إلى المستهلكين في أوروبا وآسيا، ما يشكل تحولًا واعدًا لكنه بحاجة إلى دعم سياسي واستثماري مستدام.
في نهاية المطاف، تبقى القهوة الإفريقية مرآة لواقع اقتصادي أوسع، تُطرح فيه تساؤلات جوهرية عن العدالة في التجارة، وتمكين المنتجين المحليين من التحكم في ثرواتهم.