منصة الصباح

القطاع المصرفي الليبي: الدور المفقود ومتطلبات إعادة الثقة

يعتبر القطاع المصرفي القاطرة التي  تنهض بالاقتصاد وتوفر متطلبات تحقيق النمو الاقتصادي وفي مقدمتها التمويل اللازم للاستثمار , في معظم اقتصادات العالم المتقدمة والنامية على حد سواء .

والقطاع المصرفي في ليبيا ساهم في الماضي في تمويل الكثير من المشروعات الإسكانية والصناعية ولعب دورًا مهمًا فى النشاط الاقتصادي مند تأميم المصارف في سبعينيات القرن الماضي. أما في السنوات الأخيرة , فقد انحسر الدور التمويلي  للقطاع المصرفي , بوضعه الحالي, و اصبح غير قادر على القيام بهذه المهمة كما ينبغي, ولا ترقى الخدمات التي يقدمها إلى مستوى التوقعات, حيت كثيرا ما نسمع عن عدم رضى المتعاملين مع المصارف عن نوعية وسرعة وأسعار الخدمات المصرفية التي تقدمها المصارف العاملة, رغم ما تحتفظ به المصارف من أموال, والخبرة المكتسبة وعراقة المصارف والتي كان بعضها فروعا لمصارف أجنبية, إذ لم تعد الظروف المحيطة مواتية وملائمة بالقدر الذي يمكن هذه المصارف من الاضطلاع بدورها على الوجه الأكمل والرفع من مستوى خدماتها .

ويرجع ذلك لجملة من الأسباب لعل أهمها الآتي  :

– الظروف التشغيلية والأمنية الصعبة التي تعمل في ظلها المصارف التجارية والمتخصصة وما صاحبها من مخاطر غير محسوبة وغير متحوط لها .

– أزمة السيولة التي عصفت بالقطاع المصرفي لفترة تجاوزت السنتين .

– تعدد الأجهزة الرقابية والاشرافية التي تتولى متابعة أعمال المصارف والتضارب فيما بينها والتنازع في اختصاصاتها.

– عدم اتساق السياسة المصرفية والائتمانية التي تخضع لها مختلف المصارف وفروعها, اذ لازالت بعض المصارف تقرض بفوائد بينما توقف البعض الآخر عن هذا النشاط في ظل الانقسام السياسي وما صاحبه من انقسام لحق بالمصرف المركزي .

– خضوع المصارف لسلطتين نقديتين, وما صاحب ذلك من إخلال بعض المصارف بالمتطلبات الرقابية الاحترازية المعروفة وصعوبة مراقبة هذه المصارف وفقاً لأسس موحدة .

– عدم تمكن معظم المصارف التجارية, وخصوصًا المصارف العامة من عقد جمعياتها العمومية واعتماد حساباتها الختامية لفترة طويلة تجاوزت السبع سنوات في بعض الحالات, في مخالفة صريحة لأحكام قانون المصارف رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم ( 42 ) لسنة  2012, مما تعذر معه التأكد من سلامة المراكز المالية لهذه المصارف , بالرغم من الأرباح التي تظهرها قوائم المركز المالي , وذلك لأسباب تعود في معظمها للانقسام الذى طرا على المصرف المركزي الذى يمثل الجمعية العمومية لهذه المصارف .

–  تسرب الكثير من القيادات والخبرات المصرفية التي كانت تعمل بالمصارف التجارية العامة نتيجة لاستقطابها بالمصارف التجارية الخاصة  الناشئة لما تتمتع به من مزايا تنافسية .

– تاخر معظم المصارف في تبني وسايط المصرفية الإلكترونية التي شهدت تطورا ملحوظا في السنوات الأخيرة , واستمرارها في العمل وفقا لأساليب تقليدية تتصف بالمخاطر والتكاليف المرتفعة .

– تأخر معظم المصارف في استحداث وتقديم منتجات مصرفية متوافقة مع معايير ومتطلبات الصيرفة الإسلامية لمواكبة التشريعات التي صدرت بالخصوص, ومحدودية الدور الاستثماري للمصارف في هذا المجال .

– تاثر العمليات الخارجية للمصارف بتبعات ما يعرف بمخاطر المصارف المراسلة ( D- Risking) نتيجة للظروف والأوضاع التي تمر بها البلاد والتي القت بظلالها على القطاع المصرفي وقد كونت هذه العوامل والأسباب مجتمعة بيئة مصرفية مشوهة و غير ملائمة  لاستقطاب المدخرات وتعبئتها وتسخيرها  للدفع بحركة النشاط الاقتصادي و دعم وثيرة النمو الاقتصادي , تجسدت ملامحها وموءشراتها في الآتي  :

– تزعزع الثقة في القطاع المصرفي ونشوء ما يشبه مصرفية الظل التي لجأ اليها المتعاملون مع المصارف للحصول على مختلف الخدمات المصرفية على حساب الخدمات المصرفية التي تختص بتقديمها المصارف المرخص لها, بما في ذلك تحويل الأموال والحصول على السيولة .

– تدني ايرادات المصارف المتولدة عن نشاطاتها الرئيسية أو ما يعرف ب core business ولجوء المصارف لتغطية مصروفاتها عن طريق العمولات ورسوم بيع النقد الأجنبي ورسوم تقديم الخدمات والمبالغة في معدلات العمولات المقبوضة, حققت نتيجة لها أرباح غير مسبوقة, لكنها لم تعتمد بعد من قبل الجمعيات العمومية لهذه المصارف, مما جعل المتعاملين مع المصارف يترددون في طلب مختلف الخدمات المصرفية أو الاستغناء عن تلك الخدمات .

– تنامي  الودائع تحت الطلب لدى المصارف التجارية حتى وصلت إلى حوالي 92 مليار دينار بنهاية الربع الثالث من عام 2019 بالمقارنة بما كانت عليه عام 2013حيث كانت فى حدود  83 مليار , في حين لم يتجاوز اجمالى الائتمان الممنوح من المصارف بأشكاله المختلفة 16 مليار دينار فى نهاية الربع الثالث من عام 2019 مقارنة ب 18 مليار دينار  في عام 2013 .

–  زادت ودائع المصارف التجارية لدى مصرف ليبيا المركزي من 13 مليار عام 2010 ألى 19 مليار دينار عام 2013 والى 54 مليار بنهاية الربع الثالث من عام 2019 , منها 19.6 مليار ودائع تحت الطلب, ويرجع تنامي هذه الأرصدة لدى مصرف ليبيا المركزي لعدم قدرة المصارف التجارية على توظيف هذه الأموال في النشاط الاقتصادي نتيجة لمحدودية فرص الاستثمار الواعدة و قفل التسجيل العقاري وارتفاع المخاطر.

ولما كانت المصارف التجارية تحتفظ بحوالي 72 مليار دينار من الأصول السائلة القابلة للإقراض, ولعدم نضوج صناديق الاستثمار ومباشرتها لأعمالها, في الوقت الحاضر, ومحدودية دور سوق المال, فان هذه المصارف يمكن ان تلعب دوراً  مهما في توفير التمويل اللازم لمختلف أوجه الاستثمار وإنعاش  النشاط الاقتصادي في المرحلة القادمة. و لكي  تقوم المصارف بهذا الدور وتمارس الوساطة المالية وتقديم خدمات مصرفية متطورة وتواكب التطور في الصناعة المصرفية, ينبغي العمل على تحقيق المتطلبات الآتية :

– توحيد مصرف ليبيا المركزي , كسلطة نقدية واحدة , وتعزيز دوره الإشرافي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

بدء توزيع شحنات تطعيم الانفلونزا الموسمية بالمنطقة الجنوبية

بدأ المركز الوطني لمكافحة الأمراض توزيع شحنات تطعيم الإنفلونزا الموسمية بالمنطقة الجنوبية استعدادًا لحملة وطنية …