طارق بريدعة
يمثل الخامس عشر من مايو عام 1948، يوم النكبة وهو نقطة تحول مأساوية في التاريخ الفلسطيني والعربي، حيث اغتصبت أرض فلسطين وهُجّر أهلها قسرًا من ديارهم. منذ ذلك الحين، يعاني الشعب الفلسطيني من ويلات الاحتلال والقمع، بينما تواصل إسرائيل توسعها الاستيطاني، وتفرض حصارًا خانقًا على قطاع غزة، الذي أصبح رمزًا للصمود في وجه الظلم.
اليوم، يقف الشعب الفلسطيني وحيدًا في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية المدعومة دوليًا، وسط صمت وخنوع غالبية الأنظمة العربية، التي اكتفت بالمواقف الشكلية والشجب اللفظي، تاركة الفلسطينيين يواجهون مصيرهم.
تتفاقم معاناة غزة المحاصرة، حيث يعيش أكثر من مليوني إنسان في ظروف قاسية تحت تهديد دائم بالعدوان، بينما يُهدم كل أمل في تحقيق العدالة والحرية بفعل تواطؤ دولي وتقاعس عربي.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على أحداث النكبة وتبعاتها المستمرة حتى يومنا هذا، ونستعرض كيف تحولت فلسطين من قضية مركزية إلى جرح مفتوح في الوجدان العربي، أمام عجز الحكام وغياب الإرادة الحقيقية لإنهاء الاحتلال واستعادة الحقوق المسلوبة.
خلفية تاريخية
بدأت جذور القضية الفلسطينية في أواخر القرن التاسع عشر مع تصاعد الحركة الصهيونية، التي سعت إلى إنشاء “وطن قومي” لليهود في فلسطين. خلال فترة الانتداب البريطاني (1920-1948)، دعمت بريطانيا بشكل غير مباشر الاستيطان اليهودي من خلال إعلان وعد بلفور عام 1917. مع نهاية الحرب العالمية الثانية، زاد الضغط الدولي لإقامة دولة يهودية، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة ودول غربية.
تفاصيل النكبة
في 14 مايو 1948، أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. قامت العصابات الصهيونية، مثل “الهاغاناه” و”إرغون” و”شتيرن”، بشن هجمات منظمة على القرى والمدن الفلسطينية.
ومن أبرز المجازر التي ارتكبت في تلك الفترة:
مجزرة دير ياسين
التي أودت بحياة أكثر من 250 شخصًا من النساء والأطفال والشيوخ.
مجزرة الطنطورا
حيث تم قتل عشرات الفلسطينيين بدم بارد.
أسفرت هذه العمليات عن تهجير نحو 750,000 فلسطيني من ديارهم، وتحولهم إلى لاجئين في الضفة الغربية، قطاع غزة، والدول المجاورة مثل لبنان وسوريا والأردن.

النتائج:
ديمغرافياً
تحولت فلسطين إلى مناطق سكنية يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي، وتم تدمير حوالي 531 قرية فلسطينية.
سياسياً
فقد الفلسطينيون السيطرة على 78% من أراضيهم، بينما احتفظوا فقط بالضفة الغربية وقطاع غزة.
إنسانياً
عانى اللاجئون الفلسطينيون من ظروف إنسانية صعبة، ولا يزالون يطالبون بحق العودة.
إرث النكبة
تمثل النكبة جرحاً تاريخياً عميقاً في الوعي الفلسطيني والعربي. ورغم مرور أكثر من 75 عاماً، فإن القضية الفلسطينية لا تزال مركزية في الصراع العربي الإسرائيلي، مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في انتهاك حقوق الفلسطينيين.
الحركة الصهيونية
تأسست أواخر القرن التاسع عشر بهدف إقامة “وطن قومي” لليهود. انعقد المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا عام 1897، حيث وُضعت الخطط الأولى لاحتلال فلسطين.
فترة الانتداب البريطاني (1920-1948):
دعمت بريطانيا اليهود من خلال سياسات الهجرة والاستيطان، ما أدى إلى توتر بين العرب واليهود.
في عام 1947، أقرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين (القرار 181)، والذي منح اليهود 55% من أراضي فلسطين رغم أنهم كانوا يمثلون أقل من ثلث السكان.
إعلان قيام إسرائيل
في 14 مايو 1948، أعلن ديفيد بن غوريون قيام دولة إسرائيل. وفي اليوم التالي، بدأت الجيوش العربية تدخل فلسطين في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
آراء مفكرين وكتاب عرب حول النكبة
وصف المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد، النكبة بأنها “تطهير عرقي ممنهج” وعملية منظمة لإزالة الفلسطينيين من أرضهم.
وقال في أحد كتبه: (النكبة ليست مجرد حدث انتهى، بل هي مستمرة في التهجير والممارسات الاحتلالية).
ويرى الأديب الفلسطيني غسان كنفاني، النكبة ليست فقدان الأرض فقط، بل فقدان الهوية. وقال في كتابه “رجال في الشمس”( لم يكن السؤال يومالماذا غادرنا، بل كيف سمح العالم بأن نغادر).
ويؤمن المؤرخ المصري عبد الوهاب المسيري، أن النكبة ليست حدثًا معزولًا، بل جزء من مشروع استعماري عالمي. وقال عن الصهيونية: (النموذج الصهيوني لا يعتمد فقط على السيطرة العسكرية، بل على تفتيت المجتمع الفلسطيني).
وصف الزعيم الفلسطيني جورج حبش، النكبة بأنها “جريمة القرن” وأكد أن المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق المسلوبة.