منصة الصباح

حقبة جديدة لسرقة القارة الأفريقية

حقبة جديدة لسرقة القارة الأفريقية

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

تحرك العسكر مجددا في النيجر للإستيلاء على السلطة ونسف الجهود الطويلة التي توًجت بوصول البلاد منذ استقلالها في أغسطس عام 1960، إلى أول تداول سلمي للسلطة في أبريل 2021 بين الرئيس السابق محمد يوسوفو، الذي شغل ولايتين متتاليتين، والرئيس الحالي محمد بازوم، وساقوا نفس الأسباب المعتادة، تردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وسارعت عواصم عدة في الغرب لها مصالح واسعة وتاريخ طويل في نهب النيجر، وعواصم عربية وأفريقية منها ليبيا، ومنظمات إقليمية ودولية، لإدانة الإنقلاب كالعادة من خلال بيانات لن تكون، كالعادة أيضا، أكثر من حبر على ورق.

شغل محمد بازوم المتخرج من جامعة شيخ أنتا ديوب ( السنغال) وهو من أصول عربية وتحديدا من قبيلة أولاد سليمان الليبية، عدة مناصب خلال الولايتين الرئاسيتين الأولى والثانية للرئيس السابق محمدو يوسفو، منها وزير الداخلية والأمن العام ووزير الخارجية والتعاون الأفريقي، وهما وزارتان تولى مهامهما في أوقات جد عسيرة إذ جاءتا في ظروف صعبة أعقبت انتفاضة 2011 في ليبيا الدولة المجاورة للنيجر التي تستضيف عشرات الآلاف من العمال النيجريين فوق أرضها، وما رافقها من انتشار واسع للسلاح وانتشار الجماعات المسلحة المتطرفة في منطقة الساحل بالكامل، واستقال من مهامه عام 2020 للترشح للرئاسة.

سال حبر كثير منذ أن حاصر جنود من الحرس الرئاسي مكتب الرئيس محمد بازوم، ومقر إقامته، ومنعوا الوصول إليه، فجر يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي. ولكن الأسئلة المطروحة حتى الآن والتي تبحث في أسباب هذا الانقلاب العسكري على الشرعية والديمقراطية في النيجر ما تزال بعيدة عن الحقيقة.

كان الرئيس بازوم مرتبطا بعلاقات قوية مع الرئيس السابق محمدو يوسفو الذي أسس معه الحزب النيجري للديمقراطية والإشتراكية ولكن هل بقيت هذه الصداقة بعد وصول بازوم إلى السلطة خلفا لـ يوسوفو؟ هل كانت هناك تفاهمات بين الرجلين؟ هل تشقق جدار الصداقة بين الرجلين خاصة إذا ما تأكد لدينا ما وصلنا من أصدقائنا في نيامي بما يفيد أن جدار الثقة والصداقة بين الرجلين قد تصدع فعلا، بعد أن اتجه الرئيس بازوم لإعفاء قيادات عسكرية في الحرس الرئاسي، مقربة من الرئيس السابق يوسوفو ما ينسف، برأي هؤلاء، توافقا قد يكون أبرم سرا بين بازوم ويوسوفو على طريقة بوتين ميدفيديف.

غير أن السؤال المسكوت عنه على خلفية هذه الإنقلاب : هل سرًعت الأصول العربية للرئيس محمد بازوم الإطاحة به خاصة ونحن نعرف أن آخر محاولة انقلاب في هذا البلد الذي يُعد من بين أفقر دول العالم وسجله حافل بالإنقلابات العسكرية، وقعت قبل يومين فقط من حفل تنصيب الرئيس محمد بازوم، عام 2021.

بعيدا عن التكهنات يدعونا الواقع أن نقرأ هذا الإنقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، حتى الآن، في إطار تنافس دولي بين أوروبا بقيادة فرنسا، والولايات المتحدة، والصين، وروسيا ودول إقليمية أخرى، منها إمارات النفط الخليجية التي تكدست عندها الثروات وتعمل على تدويرها، للهيمنة على موارد القارة الأفريقية البكر والتي تمثل ثلث الإحتياطي العالمي، مثل البوكسيت والكوبالت والفوسفات الصخري والبلاتين والفيرميكوليت والزركونيوم والماس والذهب، والنفط والغاز، ناهيك عن الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة ومخزونات المياه العذبة الهائلة التي تجري في القارة وتضيع في المحيطات والبحار.

هيمنت فرنسا على نصف القارة الأفريقية تقريبا عبر حوالي 100 قاعدة عسكرية تقلصت اليوم إلى سبع قواعد وبقيت “مستعمرات فرنسا السابقة” فريسة للفقر والجوع والأمراض والبطالة فيما استمرت الشركات الفرنسية تنهب إلى اليوم موارد هذه الدول … ونتساءل بالمناسبة كيف يمكن لدولة مثل سويسرا أن تجني المليارات سنويا من بيع أفخر أنواع الشكولاتة في العالم ولا تنتج حبة كاكاو واحدة فوق أرضها فيما يموت المزارعون في الكوت ديفوار جوعا؟ وكيف تدور المحطات النووية في فرنسا باليورانيوم الذي تستخرجه شركة أريفا، الذراع الصناعية للنووي الفرنسي، من النيجر، ويموت النيجريون في الصحراء للوصول إلى ليبيا بحثا عن لقمة العيش؟

إن القادمين الجدد، روسيا والصين تحديدا لهذا الحزام الصحراوي المشتعل، ليسوا من الملائكة ولن يكونوا كذلك بل سيعملون على تكثيف نهب موارد القارة السمراء وقد تكون ظاهرة الانقلابات العسكرية التي عادت إلى المشهد الإفريقي وانطلقت من مالي ودول أخرى في منطقة الساحل، ومرشحة للتمدد إلى دول أخرى، نتاج لما بات يُعرف بـ “القوة الناعمة” لحقبة أخرى من سرقة القارة الأفريقية.

كثيرة هي البيانات والقرارات المنددة بالإنقلاب وحتى التهديدات للمطالبة بعودة السلطة المنتخبة شرعيا في النيجر ولكن هل نجحت مثل هذه الإجراءات من قبل في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى؟ قد تكون النيجر القطرة التي أفاضت كأس القبول بالإنقلابات العسكرية كأمر واقع. ولكن علينا نحن، الشعوب الأفريقية، أن ندرك أن المتنافسين جميعا على موارد أفريقيا لا ينشدون التعاون وسياسة رابح – رابح وإنما يسعون إلى نهب هذه القارة ضحية قرون طويلة من الرق والاستعباد والإحتلال والتهميش والنهب.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …