حنان كابو
منذ خطواتها الأولى في عالم الفن، سطع نجم حنان الشويهدي بسرعة بفضل موهبتها وحضورها اللافت، وقدرتها على تقمص الأدوار بجدارة. تنقلت بين شاشات التلفزيون والمسرح، وقدمت برامج الأطفال وظهرت في الراديو. ورغم نجاحاتها المتتالية، غابت لفترة طويلة لتعود بعدها في تكريمها وكعضوة لجنة تحكيم في عدة مهرجانات، ولا تزال مليئة بالأفكار والإنتاج، مع مشاريع فنية قادمة في الأفق. اليوم، تفسح لنا الفنانة الشاملة الوقت لهذه الحوارية.
•منظمة “ركيزة التنمية” التي ترأسين إدارتها… كيف جاءت فكرتها، وإلى ماذا تهدف تحديدًا؟ وما هي إنجازاتها على أرض الواقع؟
جاءت فكرة المنظمة لتزاحم الأفكار الموجودة لدينا؛ فقد قمنا بتأسيسها لتنظيم أنشطة ثقافية واجتماعية مدنية متنوعة، والتي كانت تُقام سابقًا تحت مظلة منظمات ومؤسسات وجمعيات مختلفة. انبثقت فكرة المنظمة لتكون بمثابة منصة تُعبّر عن أفكارنا واهتماماتنا من خلال تنظيم الندوات، والجلسات، والدورات التدريبية وغيرها.
أما أهدافها فهي تعزيز الأعمال الثقافية والتنموية، ودعم الدور الاجتماعي للمجتمع المدني في مجالات التوعية الثقافية، الاقتصادية، والإنسانية.

وفي عام 2024، ركزت المنظمة على دعم فئة النساء، ولا سيما الناجيات من عاصفة دانيال، حيث نظمنا دورات تدريبية في مجالات مختلفة لتمكين المرأة اقتصادياً، بالتعاون مع مدربات متخصصات في صناعة الكيك، والحاسوب، وغيرها من التخصصات. كما شملنا مشروع دعم نفسي للأطفال. رغم صغر عمر المنظمة، فقد أثبتت جدواها من خلال النتائج الإيجابية التي أعربت عنها المتدربات.
أما بالنسبة لي، فإن نشاطي الفني يأخذني أحيانًا من العمل المدني؛ لذلك المنظمة الآن في حالة سبات مؤقتة حتى أتمكن من التفرغ لها، مع دعم عدة مشاريع ثقافية أخرى، من ضمنها مشروع مسرحي جاهز على الورق ينتظر الوقت والدعم للتنفيذ.
•ما هي أسباب ابتعادك عن التمثيل؟ هل أصبحت بيئة العمل في هذا المجال طاردة بالنسبة لك؟
ابتعادي جاء لعدة أسباب؛ أهمها الظروف التي عاشتها بلادنا بعد عام 2011، ودخولنا في حالة عدم استقرار أمني وسياسي استمرت لسنوات. كما أن البيئة الاجتماعية الطاردة وفقدان الشغف لفترة طويلة، بالإضافة إلى قلة الدعم الحقيقي لهذا المجال، لعبت دورًا مهمًا.
قبل 2011، كانت الدولة، من خلال القناة الرسمية، تتحمل مسؤولية الإنتاج الفني، أما اليوم فنواجه حالة من التخبط، حيث تبقى العديد من الأعمال حبيسة الإدراج لعدم وجود دعم كافٍ من القطاع الخاص.
إن العالم من حولنا يُعامِل الأعمال الفنية كبضائع تُشترى وتُباع، ونحن ننتظر القليل من الدعم من المسؤولين لتقديم عمل متكامل. الفنان الذي يكدُّ لسنوات يُعاني من وضع صعب، وهذا الوضع يحتاج إلى أسس تُعيد للفن قوته؛ إذ يتطلب وجود سوق حقيقي ودعم مالي وإداري يؤمن بأهمية الثقافة والفن في بناء المجتمع.
•اختيارك كعضوة في لجان التحكيم في عدة مهرجانات.. كيف وجدتِ حجم المسؤولية التي وقعَت على عاتقك؟ وكيف تنظرين لهذه التجربة؟
تم اختياري في مهرجان “درنة الزاهرة” في دورته السادسة كعضوة في لجنة التحكيم، وكانت المسؤولية كبيرة جدًا؛ شعرت بخوف في البداية، لكن بتشجيع الأصدقاء، خضت التجربة بسلاسة وتركيز.
كان رئيس وأعضاء لجنة التحكيم من خيرة الكفاءات فنيًا وإنسانيًا، وكانت تجربة رائعة مليئة بالتفاهم والاستفادة الكبيرة.
لاحقًا، شاركتُ أيضًا في لجنة التحكيم في التظاهرة المسرحية لكليات جامعة بنغازي، وكانت التجربة مماثلة من حيث التفاهم والنقاش المثمر. أنا فخورة بأدائنا الجماعي وأعتبر هذه التجارب إضافة قيمة لمسيرتي الفنية، وأشكر كل من وضع ثقته فيّ سواء من إدارة مهرجان درنة الزاهرة أو من إدارة التظاهرة المسرحية.
•هل شعرتِ أحيانًا بالندم لدخولك مجال التمثيل؟ وهل يندم العاشق على عشقه؟
لم أشعر بالندم، وما أعرفش نندم وما نبيش نندم؛ لأني أرى التمثيل كمهنة فنية بامتياز، رغم صعوبتها من حيث التكنيك والتقمص والمعايشة والعمق والتأثير والحب.
الحب لهذا الفن يعني أنني أحببت عملي منذ البداية، حتى وإن توقفت عن ممارسته بسبب الظروف. التمثيل بالنسبة لي متعة ذاتية يعيشها الممثل الحقيقي قبل أن يشعر بها المشاهد.
أؤمن أن الندم قد يشعر به الإنسان حين يقضي عمره في عمل لا يحبه، ولكنني لم أشعر بذلك، بل أحببت كل دقيقة في مسيرتي الفنية رغم التحديات البيئية والاجتماعية.
•ما الدور الذي تحلمين دوماً بتأديته إذا سنحت لك الفرصة؟
هناك العديد من الأدوار التي تمنيتُ تأديتها لما تحمله من تحديات فنية وشخصية. التمثيل بالنسبة لي هو اختبار دائم للتكنيك والعمق النفسي، إذ يحتاج الممثل إلى فهم أبعاد الشخصية وتخيّل شكلها الخارجي.
على سبيل المثال، كان دور “هند” في فيلم “الرسالة” مميزًا بالنسبة لي؛ فمنذ طفولتي كنت أشاهد الفنانة منى واصف في هذا الدور، وإلى الآن لا أزال معجبة بأدائها. أتمنى لو أتيحت لي فرصة لتجربة مثل هذه الأدوار المركبة.
•اتجاهك للعمل التطوعي يُظهر الوجه الأكثر نبلاً لديك. هل هو نوع من الطبطبة على خيبات الماضي؟
العمل التطوعي كان دائمًا جزءًا من حياتي، حتى قبل أن أتعرف على المجتمع المدني. كنتُ أقود مبادرات فردية لإقامة أمسيات فنية مع جمعية أصدقاء المعاقين ذهنياً، بمساعدة بعض الزملاء ورئيس الجمعية.
كان شعور السعادة يغمرني عند رؤية بهجة وفرحة هؤلاء الأشخاص، واستمرت هذه الأمسيات الرمضانية لمدة ثلاث سنوات تقريبًا.
أميل للعمل التطوعي لأنه يُشعرني بأنني مفيدة في مجتمعي الذي يحتاج للكثير منا. التطوع، في صميمه، يريح القلب ويسكن آلام الخيبات.
قبل سنوات، شاركتُ مع منظمة “من الأرض إلى البحرفي” في حملة تشجير بشوارع المدينة؛ رغم التعب، وجدت في هذا العمل راحة وسعادة. وأكرر لكل من أعرفه أن للعمل التطوعي لذة لا تُوصف، فهو يمنح شعورًا حقيقيًا بالفائدة والإنسانية.
•على ماذا تعكفين هذه الأيام: مشاهدة، قراءة، أو أفكار جديدة؟
نظرًا لظروفي العائلية واقتراب شهر رمضان، تسير الأمور لدي ببطء؛ ومع ذلك، أسرق بعض الوقت للمشاهدة. حاليًا أتابع مسلسل “كالماء للشوكولاتة”، وهو درامي جميل مأخوذ عن رواية تحمل نفس الاسم لكاتبة مكسيكية، لاورا اسكيبيل، والتي قرأتها منذ سنوات. وهناك العديد من الأفلام والمسلسلات الأخرى على قائمة الانتظار.
أما القراءة، فقد قسمتُ كتابًا تاريخيًا بعنوان “الإبادة الجماعية في ليبيا” للدكتور عبداللطيف علي حميدة إلى أجزاء أتمعّن في قراءتها؛ فهو مرجع هام يتناول فترة المعتقلات الفاشستية وما تعرض له شعبنا.
وفيما يتعلق بالأفكار، فهي لا تهدأ؛ فأنا أعمل على بعض المشاريع الفنية التي طالما حلمت بها، وأحدها مسلسل روائي قصير قمت بكتابته منذ أربع سنوات، وآمل أن أبدأ بتنفيذه قريبًا.
•كيف تستذكرين شهر رمضان وهل لديك طقوس رمضانية معينة؟
رمضان بالنسبة لي هو شهر الهدوء والروحانيات واللمة؛ فرصة للتواصل مع الأحباب والأصدقاء في حالة من الصفاء الذهني.
في السنوات الأخيرة، أحاول أن أقضي أغلب وقتي في البيت، خصوصًا في ليالي رمضان التي تزدحم فيها الشوارع؛ مما يجعلني أفتقد تلك النكهة الخاصة.
ليس لدي طقوس رمضانية معقدة؛ فبعد الإفطار، أستمتع بفنجان من القهوة، رغم أنني أفكر هذا العام في تعديل هذه العادة لتنسيق نومي خلال رمضان.
أتمنى أن يأتي رمضان هذا العام ونحن في أفضل حال، وأن يتحسن حال بلادنا بإذن الله.
تستحوذ الأفلام على أعلى قائمة مشاهدة لديك فهل ستخوضين تجربة سينمائية ؟
“حنقولك”: نعم، السينما تستهويني حقًا، وأنا أتطلع لخوض التجربة السينمائية في المستقبل القريب.
لقد فكّرت لمدة عام كامل في إنتاج فيلم روائي قصير، والأفكار تتزاحم في ذهني. ربما بنهاية هذا العام أتمكن من بدء التنفيذ بمجرد الوصول إلى فكرة مرضية وسيناريو جيد.
بهذا نختتم لقاءنا مع الفنانة حنان الشويهدي، التي أبدت شغفها بالفن والعمل التطوعي، وتحدثت بصراحة عن تحديات بيئة الإنتاج الفني في ليبيا وآمالها في مستقبل أفضل للمشهد الثقافي والفني في بلادها.