استطلاع : عبد الحكيم كشاد
إذا اعتبرنا الرواية المكتوبة بلغة أجنبية، رواية عربية وهي الابنة المدللة للفرانكفونية التي انطلقت ضمن رابطة ضمت دول لغة المستعمر وثقافته
وانعكس وجهها الأدبي في الرواية بالذات، كونها الأوسع تعبيرا في سرد قابل لضم كل الأجناس الأدبية الأخرى من جهة وبما قد تطرح من قضايا تظل لصيقة بالشرق من جهة أخرى، ظل الغرب منبهرا بها والنظرة التي تؤكد هنا الجانب الثقافي والمعرفي الحضاري هي نظرة إيجابية بعكس النظرة الدونية التي يجلد بها البعض الذات “غرب ضد شرق بكل ما يمثّله من هيمنة، كونه أكثر علما وتقدما، وهي وجهة نظر تتماهى سلبا في فقد الهوية من خلال هذه الظاهرة في الأدب خصوصا .. في الرواية المكتوبة بلغة أجنبية من هذا المنطلق .. هل تعامل الغرب مع الكتّاب الذين أصولهم عربية كحكاّئين ينقلون ما يستهويهم من شرق مازال يحمل تلك الصورة الغرائبية من خيال ألف ليلة وليلة ؟
وماهي وجهة النظر العربية التي يقدمونها في أعمالهم التي يكتبونها بلغة غير لغة هويتهم ؟.
كتّاب منطقة الشمال الأفريقي الذين عاشوا خارج أوطانهم وكتبوا الرواية باللغة التي تعلموها وتعايشوا معها، هل يصح أن نقول إنها رواية عربية عن كاتب جزائري أو مغربي مكتوبة بالفرنسية دون أن نقع في تناقض ؟ رغم أن ما يسمى بالجيل الثاني من الكتّاب الجزائريين مثلا خرجوا عن هذا النمط واعتبروا اللغة التي يكتبون بها هي لغة المستعمر وهي وسيلة لنقل وجهة نظرهم في قضايا أوطانهم لنعتبرها رواية عربية منبتا وروحا ؟
و هي وجهة نظر مغايرة عن الجيل الأول الذي غالى في التمسك بهذه الظاهرة تأكيدا على أهمية الثقافة الفرنسية في بعدها الحضاري ولأن اللغة المكتوب بها الأدب هي الوعاء الذي ينعكس نفسيا وعقليا وثقافيا فهل تكون هذه الرواية ضمن الأدب الجزائري رغم أنها موجهة أساسا لقارئ فرنسي؟
عزيز باكوش كاتب من المغرب
بداية يجدر التساؤل ما هي الفرنكوفونية كتوجه أيديولوجي بشكل عام ، وكتوجه أدبي وثقافي على نحو خاص ؟ وهل رسمت لها كأيديولوجية أهدافا محددة ؟ وما طبيعة هذه الأهداف وحجم المكاسب ؟ وما آليات تنفيذها على المديين المتوسط والبعيد ؟ وهل في ذلك خطر ما يستهدف الذين تبنوها منهجا أو خيارا مدنيا للتعبير عن مشاعرهم أو نقلها خارج الحدود الجغرافية لأصولها ؟
الجواب ببساطة هو أن للفرنكوفونية أهدافاً سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية تكتيكية واستراتيجية، لا يخفي الوعي العربي خطورتها عليه، ولا يتردد في مختلف أدبياته الناضجة في رفضها باعتبارها تحمل كل معاني الهيمنة الفكرية والثقافية الأدبية السياسية والاقتصادية.
وإذا كان ما يعنينا اليوم كعرب من هذه التجاذبات السياسية والإيديولوجية لهذا المركب المصالحي الفرنكفوني ، هو حجم التأثير أو التأثر من حيث الجانب الثقافي والفكري سلبا أو إيجابا فإن من الطبيعي اعتبار هذا المعطى من زاوية عربية قومية وإسلامية غزوا ثقافيا وحضاريا ، مادام طرفا المعادلة غير متكافئين من حيث الشكل والمضمون . بل أخطر من ذلك ، فإن المساس باللغة العربية لغة القرآن باعتبارها أسمى تعبير عن الحضارة الإسلامية والفكر العربي والإسلامي، هو اعتداء سافر وغزو متعمد ،يستهدف التدمير بهدف السيطرة ،وهو من أخطر الأهداف الفرنكوفونية المعلنة .
وفي هذا الصدد ، سجلت الفترة الاستعمارية لدول شمال إفريقيا وما تلاها خصوبة شاسعة في مجال التأليف والكتابة باللغة الفرنسية ، سواء على صعيد الرواية الأدبية الشعر أو القصة . وقد لا يسع المقام لذكر الأسماء والمؤلفات في مختلف ضروب الإبداع الفكري والأدبي . وقد كان ذلك واضحاً في دول المغرب العربي خاصة ( المغرب الجزائر وتونس) وكذا في العديد من الدول الإفريقية وغيرها.
والحقيقة التاريخية ، هي أن الأدب العالمي اليوم يفخر بكتاب عرب مغاربيين أبدعوا ولمعوا بكتاباتهم خارج لغة بلدانهم الأصلية وراكموا رصيدا مهما من المؤلفات والإصدارات الناجحة العابرة للغات والقارات وحققوا بذلك شهرة طالت الآفاق . ونالوا جوائز عالمية دولية رفيعة ، يتعلق الأمر بجماعة من الأدباء والكتاب المغاربة الذين كتبوا باللغة الفرنسية وألفوا بمهارة لغة «موليير» بل منهم أوائل أربعينيات القرن الماضي بمدينة فاس من زاوج بين العمل الثقافي والسياسي ، وبموازاة مع الاشتغال بالتأليف ، تعرضوا إثره للاعتقال في بداية السبعينيات رفقة مجموعة من الشباب اليساريين قبل أن يطلق سراحهم عام 1980.»
بل هناك من له كتابات عديدة في مختلف الأجناس الأدبية، كما ترجم إلى الفرنسية عددا من الأعمال الأدبية. ونكتفي بسوق نموذج الأديب والمهندس فؤاد العروي أديب مغربي من مواليد أواخر خمسينيات القرن الماضي بمدينة وجدة، شرق المغرب، درس في ثانوية «ليوطي» الفرنسية « بالدار البيضاء، والتحق بعدها بمدرسة القناطر والطرقات بباريس، حيث تخرج مهندسا. تكوينه العلمي لم يحل دون تفجر ملكته في الكتابة، فهو شاعر وروائي. اشتهر العروي بأسلوبه الساخر، ونجح في فرض نفسه في الساحة الثقافية منذ مؤلفه الأول الصادر سنة 1996 بعنوان «أسنان خبير المساحة». بعدها أصدر عددا من المؤلفات الروائية والقصصية، من بينها «سنة عند الفرنسيين»، «المنتحل الصغير»، و»القضية الغريبة لسروال داسوكين».
في هذا الصدد نورد ما قاله د. المهدي المنجرة عالم المستقبليات المغربي في مقال له بعنوان: الفرنكوفونية وأسباب رفضي لها: تعتمد الفرنكوفونية على مركب النقص فينا، أكثر مما تعتمد على التعاون الثقافي الحقيقي؛ ففي الوقت الذي تأتي فيه وزيرة الفرنكوفونية في فرنسا للدفاع عن الفرنكوفونية في المغرب العربي ، علينا أن نتذكر مواقف فرنسا فيما يخص تعليم اللغة العربية لأزيد من مليون من أبناء المهاجرين ، إن الأمر لا يتعلق بتعاونٍ ثقافي، وبانعدام الرغبة في الانفتاح، بل بسياسة هيمنة تريد أن تتدثر بلبوس التعاون والانفتاح»
وتبعا لذلك ، فالفرنكفونية لا ترى نفسها مجرد تقاسم لغوي ، بل تعتمد كأساس الاشتراك في القيم الإنسانية التي تنقلها اللغة الفرنسية. ومنذ إنشاء المنظمة الفرنكفونية سنة 1970 وهي تهدف إلى تجسيد التضامن النشيط بين الدول والحكومات السبعين التي تتكون منها ( 58 عضواً و26 مراقباً) ولا يجب أن يغرب عن أذهاننا إلى أن للفرنكوفونية أهدافا سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية، استراتيجية من بينها :ربط الدول الأعضاء في المنظمة بفرنسا سياسياً وثقافياً وفكرياً واقتصادياً . والتأثير على دول المجموعة الفرنكوفونية لاتخاذ مواقف مماثلة تجاه القضايا والقرارات الدولية والإقليمية وخاصة القضايا والقرارات التي تمس مصالح فرنسا . وكذلك إيجاد فرص غير متكافئة للتبادل التجاري بين فرنسا والدول الأعضاء في المنظمة، والعمل على كسر الحواجز أمام الصادرات الفرنسية إلى الدول الفرنكوفونية . هذا إلى جانب تقديم المساعدة للدول الأعضاء في مختلف المجالات، وخاصة في مجال الثقافة والإعلام والتطوير التكنولوجي وتعليم اللغات والزراعة وحماية البيئة وتعتاد فرنسا أن تعلن خلال مؤتمرات الفرنكوفونية عن تنازلها عن ديونها المترتبة على عدد من الدول الأعضاء في هذه المنظمة .ومن بين أهداف المنظمة الدولية للفرنكوفونية تنفيذ سياسات وبرامج تعاون متعدّد الأطراف لصالح السكان الناطقين بالفرنسية.
وإبان الاحتلال الفرنسي للجزائر قال دي روفيكو: « إني أنظر إلى نشر تعليمنا ولغتنا كأنجع وسيلةٍ لجعل سيطرتنا في هذا القطر (الجزائر) تتقدم في إحلال الفرنسية تدريجياً محل العربية؛ فالفرنسية تقدر على الانتشار بين السكان خصوصاً إذا أقبل الجيل الجديد على مدارسنا أفواجا أفواجا.
أما د. عمر النمري فقد أورد في مقالٍ له بعنوان” الفرنكوفونية استعمارٌ أم استخرابٌ؟ لا شك عندي في أن الفرنكوفونية إنما استهدفت تنحية اللغة العربية، ومن ثم استبعاد الثقافة الأصلية للشعوب المستعمَــرة؛ لا بل استبعاد الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية لهذه الشعوب؛ولا سيما أن أغلب الشعوب الإفريقية تدين بالإسلام وتنتسب إلى الحضارة الإسلامية؛ وذلك بهدف إحلال الفرنسية محلها وتحقيق الإلحاق الثقافي والحضاري، لا بل الإلحاق الجغرافي أيضاً كعزمهم السابق على إلحاق الجزائر بالقطر الفرنسي»
أما بول مارتي في كتابه:«مغرب الغد» ص 338: فيورد « إن كل تعليم للعربية، وكل تدخلٍ من الفقيه، وكل وجود إسلامي، سوف يتم إبعاده بكل قوة؛ وبذلك نجذب إلينا الأطفال الشلوح (البربر) عن طريق مدرستنا وحدها، ونبعد متعمدين، كل مرحلةٍ من مراحل نشر الإسلام».
ومن شبه المؤكد اليوم أن للفرنكوفونية كإيديولوجيا مخاطر كبيرة على المسار الهوياتي المدني والحضاري للعالمين العربي والإسلامي، ولعلها لا تخفي سعيها لإحلال القوانين المستمدة من الفكر العلماني الفرنسي محل القوانين المحلية في الدول الأعضاء التي معظمها دول عربية و إسلامية وذلك باسم التحديث والانتقال الديمقراطي ؛ فقد تضمنت التوصيات الصادرة عن القمة الفرنكوفونية الرابعة ضرورة تأسيس هيئة قانونية تزود الدول الفرنكوفونية بلوائح ودراسات قانونية في مجال القضاء ونظام الأسرة لتمكين هذه الدول من الاعتماد على نصوص قانونية علمانية موحدة ! وخير مثال على ذلك الحديث حول مسائل الميراث ومساواة المرأة بالرجل وغيرها.»
ممارسة الغزو الفكري وعملية غسيل جارية على نطاق واسع وخير شاهد على ذلك ما تعانيه منظمة الوحدة الإفريقية في داخلها من صراع حاد بين هذين المعسكرين . وكذلك دخول الفرنكفونية على خط التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبالنبش في التاريخ ، فقد صرح التونسي بورقيبة في لقاء صحفي له مع إحدى الصحف الفرنسية: إن مستقبلنا مرتبط بمستقبل الغرب عموما ومتضامن مع مستقبل فرنسا خاصة ،ونحن نتجه اليوم من جديد إلى فرنسا. إنني أنا الذي تزعمت الحركة المنادية بالفرنكوفونية؛ فالرابطة اللغوية التي تجمع بين مختلف الأقطار الإفريقية أمتن من روابط المناخ أو الجغرافيا.
وقال في مقابلة أخرى له مع صحيفة ليفيغارو وفق المصدر ذاته « إننا لا نستطيع الإعراض عن الغرب، إننا متضامنون مع الغرب بأكمله، متضامنون بصورة أخص مع فرنسا. وتدعيم الروابط مع فرنسا وبصورة أخص في ميدان الثقافة، وفكرة بعث رابطة للشعوب الفرنكوفونية تولدت هنا «
وحسب مصادر متطابقة ، فإن مصطلح الفرنكوفونية La Francophonie باللغة الفرنسية، يرجع إلى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي 1880م فقد وضعه عالم الجغرافيا الفرنسي: (أونزيم ركلوOnesime Reclus وذلك للدلالة على الدول التي تستعمل اللغة الفرنسية ثقافية أو تبعية استعمارية ومع مرور الوقت ارتبطت هذه الصفة بمجموع المستعمرات الفرنسية القديمة الناطقة كلياً أو جزئياً باللغة الفرنسية سواء في إفريقيا أو جزء من الشرق أوسط وغيرها من البؤر الخاضعة للنفوذ الكولونيالي الفرنسي ، من بداية القرن العشرين . وقد تطورت الفرنكوفونية كنزعة قومية وأيديولوجية مهيمنة إلى الفرنكوفونية كمؤسسة دولية مهيكلة تضم عددا كبيرا من الدول، ومنها بعض الدول العربية والإسلامية.
فقراءة رواية كتبت باللغة الفرنسية تحت سلطة استعمارية اي بلغة المستعمر ، تتحدث عن واقع اجتماعي وسياسي واقتصادي معين، تظل رسالة ووثيقة تاريخية غاية في الأهمية لذلك اعتقد انها رواية عربية بحمولة وشحنات وأنين عربي كتبت بلغة المستعمر ، كي تجد لمضمونها جمهورا أكثر اتساعا ، وتسافر بمضمونها خارج الحدود ..
عبد الله المتقي كاتب وشاعر من المغرب
بداءة دعونا نتفق ان الفرنكفونية ظاهرة لسانية معقدة ، ذات ابعاد تاريخية وثقافية وسياسية معقدة ، والأدب الفرنكفوني مصطلح يحدد الكتابات التي يكتبها أصحابها باللغة الفرنسية ، وينتمون الى جغرافيات غير فرنسية . وبذلك ، يصبح المصطلح تعبيرا عن كلى الكتابات باللغة الفرنسية التي لاينتمي اصحابها الى الهوية الخالصة لفرنسا . وعليه ، هل يصح القول ان نقول للرواية الفرانكفونية مثلا انها رواية عربية ؟ لا يكفي اشراف اسم المؤلف بهوية عربية على غلاف رواية فرانكفونية وبلغة فرنسية انها رواية عربية ، بل لا بد من تدخل لغة النص ، لأن الأبداع لغة اولا وأخيرا . وبذلك فهي رواية غير عربية ، لان اي رواية كتبت بلغة فرنسية فلن تقوي سوى الادب الفرنسي ، فهذه اللغة يعتبرها الروائي الجزائري كاتب ياسين منفى بقوله في هذا الصدد ( إن اللغة العربية منفاي ) . وعليه، تبقى هذه الرواية ماركة سردية فرنسية ، بمتخيل عربي ، لكن لا ينبغي ان يسقط منا سهول انها غرصة لترويج وتداول هذا المنتوج الروائي في السوق الفرانكفونية حتى يطل عليها القارئ الاجنبي على طبيعة الناس وبؤسهم ، اختلافهم وتشابههم ، عمقهم وبساطتهم، وعيهم ولا وعيهم ، وطاقات تخيلهم وتاملاتهم . وحين نتفحص احداث هذه الرواية الفرانكفونية في الراهن نلاحظ هيمنة واقع الهجرة السرية والتمهميش والدونية والعيش في الهامش والتشدد الديني وذكريات الحربين الكونيتين والبؤس والحرمان كبنيات حدثية وكمواضيع رئيسية ، كما لا يفوتنا الاشارة اغفال بعض الروايات الراهنة والسابقة تاجرت ببعض عناصر المتخيل العربي بتحويله الى سياحة وفلكرة ثقافية ( من الفلكلور ) ، وكذا ترسيخ الصورة النمطية المتداولة والقائمة على تشويه الواقع العربي وفق استراتيجية دور النشر التي تسعى الى الربح التجاري ، مما اسقط بعض المنتوجات الروائية في فخاخ الابتعاد عن ايقاع التخولات التي تشهدها هذه المجتمعات . وختاما ، مامعنى ان تظل هذه الرواية وغيرها من الاجناس مقصية من الادب الفرنسي ، علما ان هؤلاء الكتاب منهم من له جنسية فرنسية ، ولهم كل حقوق المواطنة الفرنسية ، والا كيف يتم تخصيص جوائز باسم الادب الفرنكفوني ومختلفا عن الادب الفرنسي ؟ ولماذا يظل مفهوم الادب الفرنسي خانة مسيجة باعتبارات فكرية وتاريخية وسياسية ، وقبل ذلك بتحديد مسبق لمعنى الهوية الفرنسية ؟ تتساءل الباحثة المغربية زهور كرام .
سعيد خطيبي : روائي ومترجم جزائري
السّؤال ينطلق من الفرنكفونية ثم يتوسّع نحو الغرب إجمالاً! أكتفي بما يتعلق في الشّقّ الفرنكفوني، وفي الفضاء الفرنسي تحديداً، هو فضاء ثقافي له قدرة على استيعاب لغات وثقافات أخرى، بالتّالي كتابا من أقاص بعيدة، ليس عربا فقط بل من أفريقيا وآسيا وأمريكا، الثقافة الفرنسية لها مرونة في احتواء كتّاب، وتوفير شروط عمل ونجاح للمنتج الأدبي، بخصوص الكتّاب العرب، لا أظن أن النّظرة تقتصر على زاوية ايكزوتيكية، ليسوا بحاجة لكتّاب عرب كي يحكوا لهم عن غرائبيبة المجتمع الذي يعيشون فيه، فقد كتب الفرنسيون أنفسهم في ذات الموضوع، منذ أوجين دو فرومنتن، ورحلاته إلى الشّرق، بالتّالي هناك نظرة أخرى، مثلا لغوية في قدرة الأجنبي عموما وليس فقط العربي في تجديد القاموس الفرنسي، ثم خيار في التّنوع، وهذا التّنوع يفرضه القارئ، فهو قارئ لا يكتفي بما هو موجود، بل يبحث عن المختلف.
لا أجد فرقا كبيرا بين ما يكتبه كاتب عربي بلغة غير عربية وآخر يكتب بلغة عربية. المقياس فنّي وليس في طبيعة الموضوع.
-ألا نعيش في حيّز جغرافي عربي مغتربين أيضاً؟ هذه أحكام مسبقة، لا صلة لها بالأدب. والرواج لا يتوقف على أصل الكاتب عربي أم غير، بل هناك عوامل تقنية وأخرى تجارية، وإذا كنا نعرف عشرات من كتّاب عرب كتبوا بغير العربية لابد أن ننتبه أن آخرين كتبوا بلغة أجنبية وفشلوا، وفشلهم لأسباب عدم إلمامهم بالفنّ الرّوائي.
هناك بيان مهمّ صدر قبل سنوات من بين الموقعين عليه جان ماري غوستاف لوكليزيو يدعو إلى محو التفرقة الأدبية بحسب اللغة، ويقترح مصطلحا جديدا الأدب- العالم، فحين نكتب نحن جزء من هذا العالم ولا ننحصر في زاوية ضيقة منه.
الدكتورة زينب الوت ناقدة وروائية جزائرية
لا يمكن تحديد النص الفني بلغته أو بخروجه عن أصله اللغوي فمن رواسب الاستعمار لغة المستعمر التي يعبر بها أحيانا عن وطنيته لكن يلتطم المبدع بلغة أُجبر على تلقنها مواكبة لسياسة التجنيس الهادفة إلى محاربة اللغة الأم من تأسيس مدارس مختلطة تشجع التعليم بالفرنسية و تصنيفها لغة حضارة و فكر، أو جراء الهجرة المفروضة على بعض الكتاب، ظهرت رواية (مولود فرعون) «1913-1962م» الصادرة سنة 1950 م( le fils du pauvre ) حاملا غُبن القرى بمنطقة القبائل ويشير إلى الفقر من خلال عنوانها ومحتواها السردي مجانسا أدب السيرة . من جهة أخرى لا يمكن حصر الأدب في وطن الكاتب ولا انتساب الفن لحدود جغرافية لو كان كذلك لماذا يساهم الكتاب العرب في جوائز عالمية مثل ( البوكر) الفن موجه للمتلقي وحدوده الجغرافية هي جماليته طبعا تعد اللغة مهمة في مجال توظيف الخطاب الاجتماعي النفعي لكن ما تحمله الرواية هي حس فني وروح تناوئ كل العقول والنفوس هي لغة الانسان للإنسان.