جمال الزائدي
كان الحديث عن اية إصلاحات اقتصادية بما في ذلك زيادة رواتب موظفي القطاع العام ..قبل أن تستعيد مؤسسات الدولة السيادية والرقابية والأمنية والضبطية عافيتها ودورها كاملا غير منقوص ..نوع من العبث والتجاوز للموضوعية والعقلانية..لكن مع ذلك نجحت قوى الضغط في إجبار الحكومة على إقرار زيادات لشرائح وظيفية عريضة لتشتعل أسعار السلع في السوق كما كان متوقعا بالضبط وتتضرر شرائح وظيفية أخرى لم تشملها الزيادات ..
بغض النظر عن التورم القديم في أعداد موظفي الدولة والذي استفحل خلال العقد الماضي ليرهن النسبة الاكبر من الميزانية العامة في بند المرتبات على حساب بقية البنود وأهمها بند التنمية المعرقلة بسبب الاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد..هناك مشكلة أساسية ومعقدة وهي مشكلة الازدواجية التي لم تستطع منظومة الرقم الوطني القضاء عليها بشكل نهائي .. هناك عشرات الآلاف من المحسوبين على الكادر الوظيفي العمومي يتقاضون رواتب وهم لايؤدون أي عمل ولايقدمون أي خدمة ولا وجود لهم في كيان الدولة ومؤسساتها الا كأرقام مالية في منظومة الرواتب ..منهم معلمين ومنهم إداريين ومنهم أطباء يداومون لساعة واحدة بالأسبوع في المشافي والمستوصفات العامة وبقية وقتهم وجهدهم يذهب إلى العيادات الخاصة حيث تتجاوز اجرة الكشف على المريض الواحد المائة دينار ..أكثر من ذلك هنالك من هذه الفئة التي تتقاضى مرتبات من الدولة ومحسوبة على الموظفين العموميين من يملك معامل ومصانع وورش تشغل مئات وعشرات العمال ويجنون مئات الآلاف واحيانا الملايين لكنهم مع ذلك ليسوا على إستعداد للتنازل عن بضعة دنانير من خزينة الدولة لان “البحر لايكره الزيادة ولأن رزق الحكومة ربي يدومه”
انها ثقافة الغنيمة التي تتعامل مع مقدرات الوطن كمشروع للنهب لا أكثر ولا أقل..
المهم اننا بعد هذه الزيادات التي قد تكون مشروعة وهي حق أصيل لمن يعملون بالفعل وبضمير.. سنكون أمام موجة تضخم عالية بسبب محاولة مافيا السوق امتصاص الزيادة في ظل عدم قدرة أجهزة ومؤسسات الدولة على فرض المراقبة والمحاسبة والعقاب ..وللأسف لا تملك الدولة وسائل كثيرة لمعالجة الظروف السيئة التي ستكابدها شرائح كثيرة جراء ردة فعل السوق المتوقعة تجاه الدنانير الإضافية التي حصل عليها بعض الموظفين البسطاء ..الخيار الوحيد ربما العودة إلى آلية بيع العملة الصعبة بسعر تفضيلي إلى الأسر الليبية حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا..