دخلت إمدادات الغاز الليبي إلى أوروبا لعبة كسر روسيا الأسعار ودخول منافسين آخرين مع الوضع الأمني المتردي، مما يقلل من القدرة التنافسية للغاز الذي يصدر عبر أنابيب في معادلة صعبة تضع خطة السلطات الليبية المتضمنة زيادة إنتاج الغاز إلى 3.5 مليار قدم مكعبة قياسية يوميا بحلول 2024 على المحك.
وكشفت المؤسسة الوطنية للنفط عن بلوغ إيرادات النفط والغاز خلال شهر أكتوبر 2019 نحو 2.2 مليار دولار أميركي، أي بارتفاع قدره 381 مليون دولار أميركي، أي 21% مقارنة بإيرادات شهر سبتمبر 2019.
إلا أن محللين اعتبروا أن هذا التحسن ظرفي مع استمرار اعتماد ليبيا على نحو أساسي على مداخيل النفط، بينما تجني نحو 130 مليون دولار شهريا من عملية تصدير الغاز الذي ينقل عبر الأنابيب بواقع ملياري دولار سنويا، حسب أرقام رسمية.
وأعلنت مؤسسة النفط إستراتيجية تتضمن زيادة في إنتاج خام النفط إلى 2.1 مليون برميل يوميا وإنتاج الغاز إلى 3.5 مليار قدم مكعبة قياسية يوميا بحلول 2024، متحملة تكلفة لتجسيد الخطة تكون في حدود 60 مليار دولار تشمل 15 مليار دولار من الميزانية الحكومية والباقي من طرف المستثمرين.
ويرى خبراء أن هذه الإستراتيجية الليبية الجديدة حتمها دخول الغاز الروسي الرخيص الذي يقابله تباطؤ في الطلب بسبب دفء الشتاء وغمر السوق الأوروبية بالصادرات من الولايات المتحدة وأستراليا وقطر، وسط توقعات بدخول أربع دول أفريقية قائمة المصدرين مستقبلا، وهي موريتانيا وموزمبيق والسنغال وتنزانيا.
ويحذر مراقبون من إشكالية ارتفاع الطلب الداخلي على الغاز الليبي مع استقرار الإنتاج، مما ينعكس سلبا على تعهداتها الخارجية، رغم أنها تحوز طاقات متجددة على غرار الطاقة الشمسية والغاز الصخري غير المستغلين.
ومع احتدام المنافسة الدولية فإن توقيع العقود طويلة الأمد انتهى عهده، ويضاعف من متاعب ليبيا التي تحتل المرتبة الـ21 عالميا في احتياطات الغاز. وسبق أن أقر رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله بإمكانية توفير الاستثمارات المطلوبة، إذا ما سمح الوضع الأمني بذلك وبزيادة إنتاج الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 50% من قرابة 3000 مليون قدم مكعبة قياسية يوميا.
ويتعرض معظم المنتجين التقليديين للغاز إلى تحديات في السوق الدولية، حيث أعلنت شركة «سوناطراك» الجزائرية الحكومية عن تراجع بـ25% في صادرات الغاز خلال تسعة أشهر من العام الجاري، بينما أكدت «غازبروم»، الشركة المملوكة للدولة، أن صادراتها من الغاز إلى خارج دول الاتحاد السوفياتي السابق تراجعت 5.6% إلى 102.8 مليار متر مكعب خلال ستة أشهر.
وحسب بيانات «غاز بروم» انخفض تصدير الغاز الروسي إلى البلقان وتركيا في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام بمقدار سبعة مليارات متر مكعب. وجاء التراجع في صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا، هذا العام، إذ تراجعت صادرات الغاز إلى كل من رومانيا وبلغاريا واليونان.
ويحتدم الصراع على الغاز بشرق البحر المتوسط وتقحم فيه ليبيا مجددا عقب إصدار كتاب ألفه الأدميرال جيهات يايشي، رئيس أركان القوات البحرية التركية أكد أهمية توقيع بلاده اتفاقا للحدود البحرية مع ليبيا.
وقال في كتاب بعنوان «ليبيا جارة تركيا من البحر» إن توقيع تركيا اتفاقا مع ليبيا لتحديد مناطق النفوذ البحرية سيكون أخطر سيناريو بالنسبة إلى اليونان، وأضاف: «نبغي التعجيل بتوقيع اتفاق المناطق الاقتصادية الخالصة بين تركيا وليبيا اللتين لديهما شواطئ بحرية متقابلة إذ إن توقيع اتفاق كهذا متوافق مع القانون الدولي يعتبر حقا مشروعا بالنسبة إلى تركيا وليبيا، كما أنه يصب في مصلحتهما.
وكشف يايجي أن القيمة الإجمالية لاحتياطي الغاز الطبيعي في شرق المتوسط تبلغ ثلاثة تريليونات دولار أميركي، لافتا إلى أن هذه الكمية كافية لتغطية احتياجات بلاده من الغاز الطبيعي 572 عاما، واحتياجات أوروبا 30 عاما.
واعتبر أن الاتفاق مع ليبيا في هذا الشأن سيكون بمثابة درع ضد اليونان وقبرص اليونانية، مشيرا إلى أن ما سماها بمنطقة النفوذ البحري التي سيتم تحديدها بين بلاده وليبيا ستحول دون توقيع اليونان اتفاق منطقة اقتصادية خالصة مع قبرص اليونانية. وما يثير الانتباه أن يايشي لم يتوان عن القول إن الظروف الحالية في ليبيا تشكل أنسب أرضية لتوقيع اتفاق تحديد مناطق النفوذ البحري المتبادل بين تركيا وليبيا.
ويقول خبراء في القانون الدولي إن عدم وجود سواحل مشتركة بين ليبيا وتركيا يمنع توقيع أي اتفاقية في الأصل، تأسيسا على معاهدة لوزان الموقعة العام 1923.