منصة الصباح

العيش بلا وطن !!

بقلم /محمود السوكني

الرغبة في الهروب من الوطن أصبحت هدفا يكاد يتفق الجميع على السعي نحو تحقيقه ، فما من مواطن إلا وتحدوه الرغبة القوية في تجربة العيش خارج أرضه وإن اختلفت الأسباب الداعية إلى ذلك فالطالب يتوق إلى استكمال تعليمه في الخارج والمريض يحاول بشتى السبل الحصول على فرصة العلاج في مستشفيات خارج الوطن ، والعامل مستعد لمزوالة مهن وضيعة يأنف من مزاولتها في بلده لكنه لا يمانع على أدائها خارج الوطن .
والحال لا يختلف كثيرأ مع الحاصلين على شهادات علمية إذ إن أغلبهم لديهم الرغبة في السفر إما للالتحاق بمواقع متقدمة من التعليم أو للحصول على عمل حتى وإن كان يتعارض مع ما درسه وتخصص فيه، الكل يهرول نحو الخارج إلا فيما نزر وهذا النزر قليل جدا يكاد لا يذكر إذ ينحصر في فئات سنية بعينها کمسن لا يقوى على الحراك أو تملکه الإحساس بالرضا عما أصابه في الدنيا الفانية أو طفل لا يفقه ما يدور حوله ، ولا يملك حق تقرير مصيره عدا ذلك فأغلب الفئات والشرائح ترنو إلى الانطلاق نحو العالم المجهول وتتطلع إلى سبر أغواره دافعها إلى ذلك الرغبة في ارتياد عالم براق أفلحت الوسائط الإعلامية في تلميع صورته وشد الانتباه إلى الأجواء المبهرة التي تصبغ معالمه والأحلام الوردية التي تحلق بالواهمين في سمائه وتصوره جنة الدنيا ومرتع السعادة وضفافا لا متناهية من البهجة والحبور .
أحلام وأوهام وتطلعات تجنح إلى الخيال وتهرب من الواقع حتى
تصطدم بالحقيقة المرة وتواجه المصير المحتوم وتصحو من أوهامها
وتفيق من خيالاتها المفرطة .
ولكن ألا تدعونا هذه الموجة العاتية لرغبة الهروب من الوطن لأن نبحث أسبابها ودواعيها خاصة أنها تمس علاقة مقدسة لا تضاهيها إلا علاقة العبد بخالقه ؟
أو ليس الوطن هويتنا وعنوان وجودنا وأساس انتمائنا؟ فكيف نجافيه ونقاطعه ونملك القدرة على الابتعاد عن ثراه وهو أغلى ما في الوجود ؟!
قد يقول قائل إن الوطن ساكن في قلوبنا نحمله في حدقات أعيننا ونعيشه في وجداننا وأحاسيسنا ولا يعني ابتعادنا عنه التنصل من عشقه أو التنكر للعلاقة السرمدية التي تربطنا به ، ولكنه يظل كلاما للاستهلاك والتبرير غير المقنع . و نعود لنسأل لماذا تستشري فينا هذه الرغبة وتمتلكنا ؟ أهي الظروف الحياتية الصعبة من الغلاء الفاحش الذي يصنعه الارتفاع المضطرد للأسعار واستحالة تحقيق الأحلام التي تراودنا في حياة هانئة وبنى تحتية مهترئة نعيش على أوهام إعادة بنيانها ؟!
أم أنه الزمن الذي يناكفنا ويأبي أن يصالحنا ويتحالف مع ولاتنا على اغتيال آمالنا وحرماننا من الحياة التي نستحق ؟

شاهد أيضاً

فئة الخمسين… وحال المساكين

باختصار بقلم د. علي عاشور قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لقرار خازن …