منصة الصباح

حقوق المرأة في ليبيا.. تحت وطأة العنف المجتمعي

 

الصباح/ خلود الفلاح‎ ‎

‎انتُخبت “الزائرة المقطوف” عميداً لبلدية زلطن، يوم “30 ديسمبر 2024″، لتكون أول إمرأة ‏ليبية تتولى هذا المنصب، في الانتخابات المحلية التي أجرتها المفوضية الوطنية العليا ‏للانتخابات‎.. ‎

ويشكّل هذا الفوز مفترقاً مهماً في تاريخ مشاركة المرأة الليبية في المناصب القيادية‎..‎

إلا أنَّ هذا الفوز قوبل برفض العميد السابق للبلدية لتسليم السلطة، معتبرًا أن “المرأة لا يمكن أن ‏تقود البلدية”.. إضافة إلى تعرضها للضغط الاجتماعي من أجل التخلي عن المنصب‎.. ‎

وتحت شعار “لا مكان للحريات الشخصية في ليبيا”، أعلن وزير الداخلية المُكلَّف بحكومة الوحدة ‏الوطنية “عماد الطرابلسي”، في “6 نوفمبر 2024″، تفعيل “شرطة الآداب”، تستهدف فرض ‏قيود واسعة النطاق على النساء الليبيات، على اللباس والسفر، والتهديد بالحبس للأشخاص من ‏الجنسين، الذين يلتقون مختلطين في الأماكن العامة‎..‎

‎وباشر جهاز الأمن الداخلي، التابع لحكومة الوحدة الوطنية، في “مايو 2023″، في تطبيق إجراء ‏جديد، يشترط على كل امرأة ليبية، تسافر بدون مرافق من أي مطار في غرب ليبيا، تعبئة ‏نموذج يتضمن أسئلة حول أسباب سفرها، وشرحاً لسبب سفرها بمفردها، ومعلومات مُفصَّلة عن ‏مرات السفر السابقة‎.‎

آسيا حقوقية

ومما لا شك فيه أن هذا الإجراء تمييزي ضد المرأة.. فمن خلال هذا الاستجواب، تقييد ‏للحريات، وحرمان للمرأة الليبية من حقوقها الأساسية كمواطنة كاملة الأهلية‎..‎

ويُخالف هذا الإجراء التمييزي، مبدأ المساواة المنصوص عليه في الإعلان الدستوري المؤقت ‏الصادر سنة “2011”، في المادة “6”، والمادة “14”، وكذلك المادة “31” من الاتفاق السياسي، ‏كما يتعارض مع التشريعات الليبية، التي كفلت للمرأة حق التنقل والسفر، باعتبارها مواطنة كاملة ‏الأهلية، تحظى بكافة ضمانات الحق في المواطنة‎..‎
يومٌ وطني دون حماية

عُدَّت كل الإجراءات السابقة انتهاكًا جسيماً لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية، المعنية بحقوق ‏الإنسان وحقوق النساء، التي صادقت عليها ليبيا، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ‏والعهد الدولي للحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية القضاء على جميع أشكال ‏التمييز ضد المرأة، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.. فإن ليبيا مُلزَمة قانونيًا بإنهاء ‏جميع أشكال التمييز ضد النساء، وضمان الحق بحرية الحركة‎..‎

‎القيود المقترحة تنتهك كذلك حقوقاً أخرى، مثل الحق في الخصوصية، والاستقلال الجسدي، ‏وحرية التعبير والتجمّع‎..‎
دانت كل المنظمات المحلية والدولية، العاملة في مجال حقوق الإنسان، ما يُفرض من عراقيل ‏على المرأة الليبية، مُطالبةً العمل بالمبادئ المنصوص عليها في الإعلان الدستوري لعام ‏‏”2011″.‏

والالتزامات الدولية لليبيا، والامتناع عن فرض أي إجراءات مستقبلية، تتعارض مع هذه ‏الالتزامات القانونية. والتي منها اتخاذ تدابير فورية لضمان حماية حقوق المرأة في ليبيا ودعمها، ‏وإجراء تحقيقات بهدف محاسبة المسؤولين عن أي شكل من أشكال العنف أو التمييز ضد ‏المرأة‎..‎

وعلى الرغم من اختيار يوم “26 أبريل” من كل عام، اليوم الوطني للمرأة الليبية، لكن للأسف، ‏لاتزال المرأة الليبية تُناضل من أجل حقوقها، رغم وجود قوانين تُعزّز مكانتها ودورها في ‏المجتمع، إلا أن هناك من يسعى لتغييب صوتها‎..‎

‎وفي تقريرها الصادر في “يونيو 2023″، أشارت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى ‏مستويات العنف ضد النساء والفتيات في ليبيا. ويشمل ذلك العنف المنزلي والجنسي، إلى جانب ‏القيود المفروضة على حرية التنقل، والتمييز القانوني والاجتماعي.. إضافة إلى الإفلات من ‏العقاب في الجرائم المرتكبة ضدهن‎..‎
‎ ‎مسار تاريخي‎ ‎

عام “1908” تأسست جمعية “نجمة الهلال”، التي تُعد أول منظمة مجتمع مدني للنساء في ليبيا. ‏ومن مهامها تعليم النساء قواعد الآداب والسلوك، والتعاليم الإسلامية المختلفة‎..‎

‎رفعت الجمعية شعار “الفضيلة، الوطن، الشفقة”، وهدفت إلى مساعدة أمهات المستقبل، وكانت ‏نشاطاتها محصورة في الجانب الاجتماعي.. إلا أن حضور “107” امرأة للاجتماع الشامل، الذي ‏عقدته الجمعية عام “1911”، دليلٌ على تغيّر دور المرأة في المجتمع الليبي‎.‎

وبين عامي “1911 و1943″، وهي فترة الحكم الإيطالي لليبيا، ساهمت المدارس اليهودية خلال ‏هذه الحقبة، بتعليم المرأة التطريز وأشغال الإبرة، وما يلزمها في إدارة البيت‎..‎

وبين عامي “1943 و1951″، خضعت ليبيا في تلك الحقبة، لحكم الإدارتين البريطانية ‏والفرنسية.. ومن أهم التطورات التي حصلت في تلك المرحلة، انتشار الإدراك بأهمية التعليم، ‏وافتتاح عددٍ من المدارس، وتولّي النساء إدارة ثلاث مدارس‎..‎
وفي عام “1957”، تأسست جمعية “النهضة النسائية”، التي عززت مكانة المرأة وحقها في ‏التعليم والمعرفة‎..‎

ونصَّ أول دستور للبلاد، على أن التعليم حقٌّ مكفول لكل مواطن ليبي، وصار التعليم إلزامياً في ‏المراحل الأولى للبنين والبنات، وفي عام “1964:، سُنَّ قانون حق التصويت للنساء‎.‎
‎ ‎طائلة المساءلة

احميد قانوني

ويقول القانوني “أحميد الزيداني، إن عدم تصدى المُشرّع الليبي لظاهرة العنف ضد المرأة، من ‏خلال إقرار قانون خاص، يؤدي إلى ارتفاع وتنوّع أنماط العنف ضد المرأة، خصوصًا أن بعض ‏التشريعات الحالية سُنّتْ في خمسينيات القرن الماضي، ما يجعلها تتَّسم بالضعف، في مجابهة ‏بعض السلوكيات الإجرامية المتعلقة بالنساء‎..‎

وفيما يتعلّق بالحديث السابق لوزير الداخلية المُكلَّف بحكومة الوحدة الوطنية، فإنّنا نرى بأنه قد ‏جانب صحيح القانون، عبر تصريحه باتخاذ بعض الإجراءات والتدابير التي تفتقر إلى السند ‏القانوني والتشريعي، الأمر الّذي يعتبر ضربًا للمادّة “31” من الإعلان الدستوري، الّتي نصّت ‏على أنه: “لا جريمة ولا عقوبة إلّا بنص”، كما أن التعدي على الحريات العامة، التي كفلتها ‏التشريعات النافذة، يجعل الوزير يقع تحت طائلة المساءلة، وقد أُسند صون تلك الحقوق إلى ‏الدولة، فقد نصّت المادة “7” من الإعلان الدستوري على أن: تصون الدولة حقوق الإنسان ‏وحرياته الأساسية، وتسعى إلى الانضمام للإعلانات والمواثيق الدولية والإقليمية التي تحمي هذه ‏الحقوق والحريات، وتعمل على إصدار مواثيق جديدة تكرّم الإنسان كخليفة الله في الأرض‎..‎
وتابع: فيما يتعلق بأفعال التهديد التي مُورست على عميدة بلدية زلطن المُنتخبة، لإرغامها عن ‏التخلّي عن منصبها – وفق ما تم تداوله – فإنّها تُعد أفعالًا إجرامية، وفقًا للتشريعات النافذة، فقد ‏نصَّت المادة “429” من قانون العقوبات الليبي، على أنّه: “يُعاقب بالحبس مدّة لا تزيد عن ‏سنتين، كل من أرغم الغير بالعنف أو التهديد، على إتيان فعل أو احتماله أو عدم القيام به‎”..‎

وأما عن التنقّل، فإن الإعلان الدستوري في مادته الرابعة عشر، نصَّ على أن الدولة تضمن ‏حرية التنقل، كما أن أي تقييد لذلك الحق وفرض نماذج معينة، يجب أن يكون مُقنّناً عبر قانون ‏يصدر بالخصوص، ويكون عبر السلطة التشريعية، وأما غير ذلك فقد يُعتبر انتهاكًا لتلك ‏الحقوق‎..‎

تؤمن الناشطة الحقوقية “آسيا الشويهدي”، أن هناك حرباً خفية تُشنُّ على المرأة الليبية، من قبل ‏حكومات الشرق والغرب، تعتمد في ذلك على دعم فصائل من الأصوليين المتشددين، الذين ‏ينظرون للمرأة بنظرة دونية ضيقة‎.. ‎

في وقتٍ تجاوزت فيه كثيرٌ من البلاد العربية هذه النظرة الدونية للمرأة، وفي المقابل هناك دول ‏تدعم هذه التيارات في بلادنا، وتنظر إلينا كمكب لفضلاتها الأيدولوجية‎..‎

وتضيف: “ليس بعيدًا عن ذلك، رفض ومضايقة السيدة “الزائرة المقطوف”، التي فازت بمنصب ‏عميد بلدية زلطن، ونُكران وجحود حقها القانوني والدستوري‎..‎
‎ ‎

ما يحدث اليوم رِدَّة حضارية، فالمرأة الليبية من الأوائل التي شغلت منصب قاضية في البلاد ‏العربية، مثل “رفيعة العبيدي”، ومن الأوائل التي شغلت وظيفة كابتن طيار، وكانت قبل أكثر من ‏نصف قرن مُذيعة، ومّضيقة طيران، وأستاذة جامعية، وطبيبة‎..‎
فليس من المعقول بعد هذا التراكم الكبير، تُعامل معاملة السبايا والقاصرات‎”..‎

وتابعت: المرأة الليبية كل يوم يُضيَّق عليها الخناق، بهدف تحويلها إلى كائن مُتهم ومشبوه. كل ‏امرأة يكون لها نشاط وفاعلية في الفضاء العمومي، تكون هناك تهم جاهزة بانتظارها، مثل ‏العمالة للمخابرات الأجنبية، وإدارة شبكات للدعارة، وغيرها..‏

شاهد أيضاً

الهلال يتفوق على غزة في البطولة العربية للأندية للكرة الطائرة

حقق فريق الهلال الليبي فوزًا مهمًا على نظيره غزة الفلسطيني بنتيجة ثلاثة أشواط دون مقابل، …