بقلم/ سليم يونـــس
هي صادمة بكل المعايير الدينية والإنسانية والأخلاقية تلك المشاهد الدموية المروعة التي تعرضها بعض الجماعات المتشددة عبر وسائل الإعلام، ترويجا لما تعتبره «صحيح» فكرها، ولأنها كذلك فإننا نعتقد أنه لا يمكن لمن يمتلك حدا أدنى من الإحساس الآدمي كونه إنسانا، إلا أن يخجل كإنسان؛ من هذا المنحى الدموي الذي تتبناه هذه المجموعات، تنفيذا لما يحملونه من تفسير فكري تعسفي للنص الديني، يقوم على تكفير الآخر مقدمة إلى نفيه ماديا، لمجرد أن وهمهم صور لهم أن هذا الآخر مناقض لهم.
وبشكل عام فإن منابع وأسباب العنف تتعدد لدى هذه القوى تبعاً لطبيعة المجتمع دينياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً غير أن ثمة منابع تعد الأهم، كونها المؤثر الرئيس في بلورة ثقافة التعصب الديني أو القومي أو السياسي..، لتحوله إلى سلوك هو بالضرورة من أعطى الضوء الأخضر لبعض الحركات الإسلامية المعاصرة من انتهاج العنف والإرهاب بحجة ( الجهاد أو الحسُبة، أو الإصلاح والتغيير) وجعلته شعاراً براقاً لمسيرتها السياسية والفكرية وظهر واضحاً في خطاباتها التي اتسمت بالعنف واللجوء إلى القوة، نتيجة لارتكازها على القراءات الأحادية والمجزأة للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، التي أفضت إلى تصورات ظلامية(8) ، جعل هذه القوى تصل حد تكفير المجتمعات التي تعيش فيها حكاما ومحكومين، الأمر الذي كشف لا إنسانيتها، وبعدها عن جوهر الإسلام السمح الذي وصل به حد الثقة في الرسالة المحمدية؛ أن قال ” من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” بعد أن وصلت رسالة الإسلام واستقرت في عقول وأذهان الناس أبدا.
مفهوم الثقافة
وإذا ما حاولنا استكشاف كلمة ثقافة على ضوء ربط العنف بها، فإننا يجب أن نميز بين الاستخدام الضيق لهذا المصطلح الذي يقصد به الشعر والقصة والنقد.. إلخ والثقافة بمعنى مجموع القيم الاجتماعية والسياسية والثقافية والتقاليد والعادات وأنماط السلوك الموروثة وغير الموروثة، (9) التي تشكل الحاضنة الطبيعية لكل تطرف؛ وخاصة العنف غير المشروع الذي يمثل التطرف أعلى درجاته.
وفي البحث في أبعاد هذا السلوك المفارق، فإننا نكتشف أن المعتقدات والأفكار والمواقف والممارسات الاجتماعية عند أغلب المجتمعات في عالمنا تنحو إلى ثقافة العنف المادي والمعنوي، فالمطالب بإقصاء هذا الشخص أو ذاك الشعب أو محاربة تلك الدولة هي في حد ذاتها عنف مادي واقعي.
والمطالب الفكرية والكتابات التي نجد بين سطورها إيحاءات قريبة من لغة العنف والحقد والتمييز العنصري هي في حد ذاتها عنف معنوي يقود إلى العنف المادي، وليس أدل على ذلك العنف المعنوي، أكثر من وجود تنظيرات ودعاوى فكرية تدعو إلى العنف والحرب والصراع كنظريات “صراع الحضارات” لصامويل هنتنجتون و“نهاية التاريخ” لفرنسيس فوكاياما، واجتهادات علماء الدين المسيحيين والمسلمين…كل هذه الأنماط الفكرية تجد لها أدوات تنفيذية في الواقع فتعمل على خلق الصراعات بين الدول ونشوء الحروب بين أقطاب الشعب الواحد تحت يافطة دينية أو عرقية أو سياسية.(10)
حاضنة العنف
غير أن العنف يترعرع ويبلغ أوج التعبير عن قسوته في البيئات التي تفتقر إلى العدالة والمساواة وكفالة حرية التعبير للأفراد والجماعات، وفي المجتمعات التي يسودها الاستبداد السياسي والفكري والاجتماعي، وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين، وهذا الانسداد المجتمعي في أبعاده المختلفة، برر للبعض أن يجعل من العنف أسلوب تعبير عن تراكمات اليأس والغضب أو الانتقام، يمكن أن يقوم به الفرد أو الجماعات كما يمكن أن تمارسه الدولة أيضا، ويتجلى من خلال شكلين هما: العنف الرمزي والعنف المادي، ويتمثل العنف الرمزي في ادعاء احتكار الحقيقة، وإقصاء وتهميش الآخر، وفي تكفيره بدون وجه حق. أما العنف المادي فيتمثل في استخدام الأساليب والأدوات المادية كالسلاح ضد الآخر. (11)
هنا لابد من الاستدراك أن ممارسة العنف في بعض الأحيان يكون مشروعا قانونيا وأخلاقيا، ويدان أخلاقيا وسياسيا من لا يمارسه كونه حقاً وواجباً، خاصة للشعوب المضطهدة الساعية إلى نيل حريتها واستقلالها.
في حين يكون محرما عندما يستهدف أمن وسلامة الأبرياء كما يحدث هذه الأيام في الوطن العربي وفي مناطق أخرى من العالم، وهو ما نعبر عن تسميته (بالإرهاب).
هذا العنف اتكأ على خطاب ديني متشدد كرس منهجا أحادياً لاحتكار الحقيقة الدينية، وتهميش المذاهب الأخرى بما فيها تيار الوسطية والاعتدال، مما ساعد على بروز ظواهر الغلو والتطرف التي صبغت الحياة الثقافية والاجتماعية والإعلامية بألوانها، كما تمكن هذا الخطاب المتشدد من ترسيخ أسلوب التلقين والحفظ والتوجيه بدون مناقشة. (12)
ومع أن التجربة التاريخية تقول إنّ الإسلام قد رسّخ ثــقافةً أصيلةً علّمها لأبنائه، تؤسّس أصول التسامح لا التعصب، المحبــة لا الكراهــية، الحــوار لا الصــدام، الرحمة لا القـسوة، الســلام لا الحــرب، فإن السؤال الذي ينطلق من واقع نعيشه حيث يتفشى وباء العنف المتعالي حسب القوى التي تمارسه، الذي يمثل ردة بالمعنى الأخلاقي والإنساني والفكري كذلك، هل المشكلة في النصوص أم أن المشكلة في أولئك الذين يخرجون النصوص من سياقها الديني أو التاريخي بشكل تعسفي، ليس له علاقة بمقاصد النص، عندما يتصدى من لا يعرف أو يعقل (من العقل) لزرع مثل هذه الثقافة المجافية؛ لينتشروا مثل الفطر السام في المجتمع العربي وفي العالم، وإلا فإن السؤال عندها مــن أيــن جــاء إذن كلّ هذا الذي يسمى بالعنـف المقدس في المجتمع العربي وفي العالم الإسلامي؟
هوامش
سمير التقي، ثقافة العنف في المجتمع العربي، موقع معابر.
هلا رشيد، مصادر العنف المقدّس في الثقافة الإسلامية؛ صحيفة السفير (موقع آمون).
سمير التقي، ثقافة العنف في المجتمع العربي، مصدر سابق.
بريهان الجاف ثقافة العنف إلى أين؟ الحوار المتمدن-العدد: 2562.
أحمد علي الخفاجي، الحركات الإسلامية المعاصرة والعنف، شبكة المعلومات الدولية.
هلا رشيد، مصادر العنف المقدّس في الثقافة الإسلامية، مصدر سابق.
أحمد علي الخفاجي، الحركات الإسلامية المعاصرة والعنف، مصدر سابق.
المصدر السابق.
فاضل السلطاني، ثقافة العنف أم عنف الثقافة، صحيفة الشرق الأوسط العدد 8608.
عزيز العرباوي، ثقافة العنف ودوافعها الأساسية، موقع معكم.
بريهان الجاف ثقافة العنف إلى أين؟ مصدر سابق.
المصدر السابق.