منصة الصباح

هل يحق لنا الإحتفال بعيد العمال؟

هل يحق لنا الإحتفال بعيد العمال؟

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

اعتمدت ليبيا منذ اكتشاف النفط عام 1958 وتصدير أول شحنة منه يوم 25 أكتوبر 1961، على هذه الثروة في تشكيل اقتصادها لتسقط في دوامة ما يُعرف بـ “الدولة الريعية” بعد أن استحوذت السلطة الحاكمة على هذا المصدر واحتكرت مشروعية امتلاكه وتوزيعه وبيعه والتصدق على الشعب.

وشكل النفط، الذي سيطر على الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية للشعب الليبي، وغير مجتمعنا البسيط من مجتمع عامل ومنتج إلى مجتمع مستهلك يعج بتكدس مئات الآلاف من الموظفين في القطاع العام، بعد انتفاضة 2011 السبب الرئيسي للصراع على السلطة والحروب التي سفكت الدماء، ومزقت النسيج الوطني، وخلفت الخراب والدمار، وجلبت القوات والقواعد الأجنبية وحشود المرتزقة، في حين تمددت طوابير الموظفين الوهميين وتضاعفت فاتورة الإنفاق.

إن الأول من مايو (عيد العمال) ليس مجرد حفلة أو يوم عطلة بل هو إحياء وتتويج لنضال طويل ومشرف قاده مناضلون من الطبقة العاملة، ودفعوا في سبيل ذلك ضريبة ثقيلة من أرواحهم والسجن لمدد طويلة.

وبالفعل في يوم 1 مايو من عام 1886 نظم العمال في شيكاغو ومن ثم في تورنتو إضرابا عن العمل شارك فيه ما بين 350 و 400 ألف عامل، يطالبون فيه بتحديد ساعات العمل تحت شعار «8 ساعات عمل، 8 ساعات نوم، 8 ساعات فراغ للراحة والاستمتاع»، الأمر الذي لم يَرق للسلطات وأرباب العمل خصوصا وأن الدعوة للإضراب حققت نجاحا جيدا وشلت الحركة الاقتصادية في المدينة، ففتحت الشرطة النار على المتظاهرين وقتلت عدداً منهم، ثم ألقى مجهول قنبلة في وسط تجمع للشرطة ما أدى إلى مقتل 11 شخصا بينهم 7 من رجال الشرطة واعتُقِلَ على إثر ذلك العديد من قادة العمال وحُكم على 4 منهم بالإعدام، وعلى الآخرين بالسجن لمُدد مُتفاوتة. وعند تنفيذ حكم الإعدام بالعمال الأربعة كانت زوجة أوجست سبايز، أحد العمال المحكوم عليهم بالإعدام، تقرأ خطابا كتبه زوجها لابنه الصغير (جيم) جاء فيه :«ولدي الصغير عندما تكبر وتصبح شابا وتحقق أمنية عمري ستعرف لماذا أموت، ليس عندي ما أقوله لك أكثر من أننى بريء، وأموت من أجل قضية شريفة ولهذا لا أخاف الموت وعندما تكبر ستفخر بأبيك وتحكى قصته لأصدقائك».

وقد ظهرت حقيقة الجهة التي رمت القنبلة لاحقا عندما اعترف أحد عناصر الشرطة بأن من رمى القنبلة كان أحد عناصر الشرطة أنفسهم.

تساءلت عديد المرات هل يحق لنا معشر الليبيات والليبيين أن نحتفل بعيد العمال في الأول من مايو من كل عام كسائر العمال عبر العالم وكان الجواب في كل مرة بالنفي، سواء قبل انتفاضة 2011 حيث لم تكن “ثورة المنتجين” إلا حبرا على ورق، ولم تكن العودة إلى إحياء الأول من مايو بعد 2011 أكثر من فلكلور بائس.

وفي قراءة عقلانية لخريطة العمل في بلادنا يمكن أن نرصد بسهولة أن المزارعين وأولئك الذين يجنون الثمار ويبيعونها بالجملة والقطاعي (99 في المائة من الأجانب)، ومربي المواشي والرعاة في السهول والجبال ومربي دواجن اللحم والقصابين (99 في المائة من الأجانب)، وعمال النظافة (99 في المائة من جنسيات أفريقية عدا بعض سائقي الشاحنات من الليبيين)، والمقاولين وعمال البناء (99 في المائة من المصريين والسوريين والأتراك ومن جنسيات أفريقية وأخرى، وعدد بسيط من الليبيين يعملون سائقين لدى المقاولين الأجانب لنقل خشب البناء ومواد البناء)، والعتالين في مختلف المجالات (99 في المائة من الأجانب، ورأيتهم بعد 2011 حتى في المطارات)، والفنيين العاملين في مختلف ورش تصليح السيارات والحدادة والنجارة وتصليح المكيفات والثلاجات والغسالات وسائر المعدات الكهرومنزلية (99 في المائة من الأجانب)، والقائمة تطول.

لا يحق لنا حتى اليوم، في اعتقادي، بوجود حوالي 600 ألف مدرًسة ومدرس في بلادنا (بواقع مدرس واحد لكل 2 من التلاميذ والطلبة، وحال التعليم لا يخفى على أحد)، وحوالي 1.5 مليون موظف يتقاضون مرتباتهم من الدولة معظمهم في بطالة مقنعة أو سلوكية أو مستوردة (النسبة المئوية لقيمة مرتباتهم من دخل النفط بعد الكارثة التي أوقعتنا فيها الحكومة الحالية صادمة)، الإحتفال بعيد العمال.

يتعين على الحكومة أن تكفر عن خطيئتها الكبرى، وتدارك هذه السياسات الخاطئة قبل فوات الأوان، خاصة وأن قيمة استخراج النفط الليبي، بحسب الخبراء، ليست مرتفعة ناهيك عن قربه من أكبر المستهلكين في القارة العجوز، واستثمار موارد النفط والغاز في تنويع مصادر الدخل وإحداث ثورة حقيقية في سوق العمل الليبي من خلال تطوير التعليم المهني وبعث مشاريع تنموية في قطاعات السياحة والزراعة والنقل والاتصالات وترقية المناطق الحرة وتجارة العبور والإستفادة من موقع ليبيا الإستراتيجي على ضفة المتوسط وفي قلب القارة الأفريقية.

شاهد أيضاً

الـولاء للـــوطن

مفتاح قناو لا يمكن للمواطن الليبي العاشق لتراب هذا الوطن أن يكون شيئا أخرا غير …