منصة الصباح

العصفور والصقر

العصفور والصقر

د أبوالقاسم صميدة

في العيادة التي اتلقى فيها العلاج الطبيعي بمدينة مصراته جمعتني الاقدار مع طبيب معالج أنيق يعشق تربية العصافير، وكان في بعض الأيام يأتي وعلى كتفه يقف عصفور جميل كأنه (رتبة رائد) فى فرقه عسكرية خاصة وكان يحمل معه قنينه صغيرة في طرفها أنبوب طويل قليلا، وما ان يقوم بعدة حركات حتى يقفز العصفور نحو طرف الأنبوب ويبدأ في إدخال منقاره الصغير وهو يرفرف، وعندما سألت الدكتور ابراهيم عن هذا الأمر قال؛ ان العصافير كائنات ذكية ولديها قابلية للتعلم فالعصفور يعرف ان الأنبوب يحتوي على سائل سكري ممزوج ببعض المكونات الغذائية التي تحبها العصافير، وفي بعض الأيام الشتوية الباردة كان الطبيب يفتح سترته ويومي للعصفور فيقفز سريعا ليدخل في جيب السترة حيث يشعر بالدفء، وبعيدا عن فكرتنا عن العصافير وانها تخاف من البشر، ةفهي كائنات لطيفة وتحب الأشخاص الذين يعتنون بها وتفهم ما يريدونه منها،. فمثلا اذا أشار إليه بالقفز وتغيير المكان فهو يستجيب، كما انه لا يطير مبتعدا عن صاحبه حتى لو كانت الأبواب مفتوحه والشبابيك، وبالمقابل ففي العيادة يوجد أحد المرضى الذين يتلقون العلاج نتيجة حادث سير مؤلم، واسمه (فرج) هذا الانسان المميز من عشاق صيد الغزال والودان، ومن مربي الصقور، وهو يقول ان صيد الغزال والودان وتربية الصقور هي أمور تكمل بعضها البعض فالصقور لصيد طيور الصحراء كالحبارة وغيرها الأرانب، وهناك فرق كبير  بين صيد الغزال  وصيد الودان، فالودان حيوان جبلي يملك حاسة شم قوية وهو حذر جدا وسريع الاختباء كما أنه يحتمي بمنعرجات وتضاريس البيئة الجبلية التي يعيش فيها ، وبالمقابل فالغزال يعتمد على السرعه والحذر الشديد ويعيش في المناطق المفتوحة ، لكن لكل منهما نقاط ضعف يدركها الصيادين بالخبرة والتعامل، فالصياد وهو يبحث عن فريسته يدرك انها تتمتع بمقومات النجاة والهروب سواء بقدرة الطريده على  الفرار او الاختباء او اعتمادات على طبيعة المكان ، أما الصقور فهى موضوع منفصل عن صيد الغزال والودان، فهي متخصصه في رصد وصيد الأرانب والطيور البرية، حيث يتم تدريبها على الصيد، ويسمى مربي الصقر ( الصقار) ويقول فرج: ان اهم انواع الصقور في ليبيا هو ( بحرية حرة) ؛ كما ان أكبر مشكلة تسبق تدريب الصقور هي كيفية الحصول عليها بعد أن حرمت صيدها كثير من دول أوروبا وأصبح المصدر الوحيد لها  هو آسيا وأفريقيا. ويعتمد محبي الصقور على نصب شراك  بواسطة طير ( السمينة) ويتم صيد الصقر بواسطة ( اللفة) وبعدها يتم تدريب الصقر والتعامل معه، وهو لا يأكل الا الحمام واليمام البري، ومن  أشهر صقور الصيد هو الصقر  الحر والشاهين والباشق بأنواعها المختلفة، ويعشق اهل الخليج العربي الصقور ويدفعون فيها مبالغ خيالية،  وتبلغ أنواع الصقور حوالي 300 نوعا، تتفاوت في  احجامها واوزاننا وخصائصها وصفاتها ففي حين لا تتجاوز بسطة جناحي (المرلين)  وهو احد أنواع الصقور  النادرة حوالي الثلاثين سنتميتراً ولا يزيد وزنه على مئتي جرام فإن بعض الأنواع يتمتع بطول جناحين يتجاوز المتر ويصل وزنه الي عدة كيلو جرامات، وبسبب ندرة الصقور؛ وتعرضها لخطر  الانقراض فقد ادرجت منظمة اليونسكو تربية الصقور ضمن قائمة التراث الإنسانى اللامادي ، وذلك بسبب العلاقة الروحية بين الصقور ومربي الصقور والبلدان المعنية بهذه التربية كما وردت في قائمة اليونيسكو هي: الإمارات العربية  ومنغوليا والمغرب وقطر والمملكة العربية السعودية وإسبانيا والجمهورية العربية السورية، وجاء في النص الصادر بهذه المناسبة أن تربية الصقور «باتت تترافق مع روح الصداقة والمشاركة، أكثر من اعتبارها مصدر رزق. تتركز أساسًا على طول خطوط هجرة هذه الطيور  وممراتها. ويمارس تربيتها أشخاص من كل الأعمار، رجالاً أو نساءً، هواة أو محترفين. ويطور مربو الصقور علاقة قوية ورابطًا روحيًّا مع طيورهم»

وتنتقل  تربية الصقور من جيل إلى جيل، حيث يصطحب المربون معهم أبناءهم عند الخروج للصيد لتدريبهم على السيطرة على الطائر وإقامة علاقة ثقة معه. كما جاء في موقع اليونسكو أيضا أن تربية الصقور تشكل «قاعدة لتراث ثقافي أوسع، يشمل الأزياء التقليدية، ويقول صديقنا فرج؛ شفاه الله  انه وخلال رحلات الصيد وما ان يلمح الصقر طائر او أرنب حتى يبدأ في لفت الانتباه سواء بكثرة الحركة او بالنقر على زجاج السيارة وذلك حالما يتم نزع غطاء العيون في منطقة الصيد، وغطاء العيون ويسمى ( كمبيل ) يضعه الناس من عشاق الصقور لعدة اسباب منها لتهدئة روع الطائر ولعدم ازعاجه وحتى لا يقوم بنتف ريشه والحاق الأذية بنفسه، وما ان يتم نزع القناع حتى يبدأ الصقر في الاستعداد للطيران والصيد؛ ويستعين أصحاب الصقور بنظام ( جي بي اس) لتحديد الأماكن في حال ان الطائر تلكأ في العوده الى صاحبه، وهكذا بين عصفور الطبيب إبراهيم وصقر فرج كنا نستمتع بحكايات شيقة تساعدنا في مواجهة الملل والروتين اليومي ومواجع المرض.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …