صباح الفن
عبدالله الزائدي
العبار العراب
سالم العبار قاص وأديب وصحفي ناجح و معروف والاهم في تقديري خلال رحلته التى ندعو الله ان تمتد طويلا ، أنه رائد برامج المواهب الادبية في ليبيا ، بل مبتكر هذه النوعية المهمة من البرامج الاذاعية ، اقول المواهب الادبية ، لان ما كان يقدم في ركن الهواة من الراحل كاظم نديم و و الراحل السيد بومدين و الراحل عبدالجليل خالد وغيرهم اختص بالغناء والتمثيل والفنون عامة ، لكن العبار ادخل الى الاذاعة فكرة جديدة، عندما أعد منتصف الثمانينات عبر الراديو برنامج ما يكتبه المستمعون ، وهنا تجد تسمية لافته ، فقد كان من التقليدي في الاذاعة اي اذاعة في اي بلاد ، وجود برنامج يلبي طلبات المستمعين في بث اغان يحبون سماعها او اهدائها لغيرهم، ويسمى البرنامج ما يطلبه المستمعون ، لكن برنامج العبار حمل اسم ما يكتبه المستمعون ، فالمختلف والجديد أن لايطلب المستمع الاستماع لصوت مغن، بل الاستماع لما يكتبه هو من عمل ادبي شعرا او قصة او نثرا او مقال ، وسرعان ما نجح البرنامج بشكل مذهل، فالفكرة ليست تقديم العمل الادبي لللمستمع وحسب ، بل التعليق النقدي عليه لتعميم الفائدة ، وكان يقدم بمؤثرات صوتية واخراج جعله متميزا ،وفي التعليق النقدي على ما يذاع في الحلقة ، دور مهم اذ يجعل اذن المستمع تتعود على النقد والتدبر، وهذا جانب عميق التاثير ، وقد صار البرنامج في زمن وجيز اهم البرامج الادبية في الاذاعة ، يقدم بصوت الراحل عبدالله عبدالمحسن، وتقرأ مقدمته الاذاعية عفاف عبدالمحسن ، تلك المقدمة التى تقول ( الكاتب الصادق يغمس ريشته بمداد الحياة ينقش بالحرف الامل المونق المخضوضر مجسدا رؤاه ) ، و تحول الى صوت جيل شاب ان ذاك ، جيل كان البرنامج شرفته وكوته للتنفس ، جيل اصطدم بقلة المؤسسات الثقافية في واقع تلك الفترة ، فدور النشر محدودة و لا توجد مؤسسات صحفية تقدم صحف ودوريات ادبية، عدا مجلة الثقافة العربية ، والاجدر بالذكر ، ان اصوات الشباب لاتجد الاهتمام الحقيقي الذي يدفع بها ، وبات العبار عرابا لجيل سيصبح صوت التسعينات الثقافي .
لقد نجح العبار في برنامجه الرائد، واستمر في الاذاعة مدفوعا بحجم هائل من التواصل والمشاركات ، جعله يخوض تجارب اخرى ، منها برنامج النادي الادبي والذي قدمه للتلفزيون الليبي ، ويحول فيه العبار المشاركات الادبية القصصية الى سيناريو يشترك ممثلون في تجسيده، ويستضيف نقادا يعلقون على العمل، ويقدم الشعر والنثر في صورة اخراجية مع المؤثرات ، ثم قدم لاذاعة صوت الوطن العربي وهي اذاعة ليبية موجهة برنامج القلم الاخضر ، وقدم لراديو بنغازي المحلية برنامج اقلام على الطريق ، وقدمه الاذاعي سالم الفيتوري الذي واصل ايضا تقديم ما يكتبه المستمعون بعد الراحل عبدالله عبدالمحسن .
واستمر العبار في اعداد برنامجه الى الراديو حتى توقف منتصف التسعينات ، لكنه افسح المجال عبر صحيفة اخبار بنغازي التى يرأس تحريرها لكل الشباب دافعا ومؤازرا ، وظل متواصلا مع المواهب الشابة ـ آن ذاك ـ وقدم للحركة الادبية الليبية عددا من الأسماء التى تشكل اليوم جزءا مهما من الادب الليبي ، ومنها رامز النويصير، و وجدان عياش، وام الخير الباروني، وصالح قادر بوه وكثيرون .
لقد بات برنامج العبار نقطة تميز فارقة في الاذاعة الليبية وحتى العربية ومن كلاسيكيات الاذاعة الليبية.
ايمان العبار باثراء الحركة الادبية الليبية ونجاح برامجه في تكوين قاعدة من الاسماء التى تمتلك الملكة والاضافة ، جعله يبادر الى تنظيم اول مهرجات للمواهب الادبية في ليبيا ، واستطاع العبار أن يطلق مهرجان النهر للمواهب الادبية مستفيدا من تجربة مهرجان النهر الصناعي الناجحة ، واطلق العبار ثلاث دورات في بنغازي سنوات ( 94 ، 95 ، 96 ) على مستوى ليبيا وتشرفت أنا بالمشاركة فيها ، وقد جمع فيها العبار المواهب الليبية في مشهد استثنائي.
وتحول ( ما يكتبه المستمعون ) من برنامج اذاعي الى رؤية ومشروع حمله العبار ، وسار به زمنا ، ومازال يحمل شعلته التنويرية ما استطاع ان يحمل ، وقد اعاد البرنامج الى الاذاعة قبل سنوات واطلق صفحة على موقع الفيسبوك ، وبرغم العوائق وانفراده في مشروعه النبيل دون تلقي دعم ولا مساندة من الدولة او القطاع الخاص ، ولاحتى غيره من الادباء، بقى اسم العبار مرتبطا باثراء حركة الادباء وبأنه عراب اجيال من الاقلام الادبية .