منصة الصباح

العالة الليبية.. حكاية كرم وترابط

صالحة هويدي

الشاي أحد أكثر المشروبات شيوعا وانتشارا يأتي في المرتبة الثانية بعد الماء بحسب الأمم المتحدة وتختلف طرق أعداده وتناوله من ثقافة إلى أخرى.

عربيا، يفضل عند البعض مع الحليب ويضيف اليه آخرون بعضا من حبيبات الهيل والقرنفل وانتشر في دول الخليج ما يعرف بشاي الكرك هندي المنشأ.

عرف الليبيون الشاي منذ القرن التاسع عشر حيث كان شراب الباشا وعائلته وضيوفه فيقدم لضيوف البلاط القرمانلي ثم انتشر في البلاد مع مرور الوقت فتفنن الليبيون في طرق تقديمه.

فالشاي ليس مجرد شراب ساخن فهو طقس اللمة والجلسات الحميمية.

العالة

تتكون من طاولة خشبية صغيرة توضع عليها سفرة تحتوي على ابريقين للشاي “البراد” وعدد من الأكواب الزجاجية صغيرة الحجم مع كوب معدني أكبر حجما يسمى اللقامة وإناء لغسل الأكواب واسفنجة وسفرة أخرى بها عدد من الحافظات “السكريات” للسكر والشاي وأخرى صغيرة للنعناع المجفف مع ابريق للماء وموقد غاز صغير.

لطالما كانت العالة و”طاسة” الشاهي رفيق المزارعين في اوقات القطاف والحصاد لمحاصيل الزيتون والقمح والشعير في غريان وكابو.

اما العالة الأكبر حجما فكانت رفيق العائلات بعد وجبتي الغذاء والعشاء متحلقين حولها متبادلين أطراف الحديث عن أحوالهم ومشاريعهم، وعن دراسة الأبناء وأحلامهم على صوت الشاي وينتقل بين “البراد” و”اللقامة”.

وفي رمضان تملأ رائحة شاي العالة البيوت قبل انطلاق مدفع الإفطار. فما أن يحين وقت الإفطار تكون الكأس الأولى من الشاي جاهزة.

جلسات نسائية

لا تقتصر العالة على الجلسات العائلية فقط، بل تجتمع الجارات حولها لتبادل أطراف الحديث عن كل ما يهمن وما جرى ويجري والبعض من النميمة البريئة. لذلك يكون جمال العالة ونظافتها مجال تنافس بينهن باختيار أجمل أنواع المفارش أسفل العالة على أن تتناسب تماما مع غطاء موقد الغاز.

الشاهي والضيف

لا يمكننا الفصل بين الشاي كمشروب وبين ما يُتبع في تحضيره عند حضور الضيف فيمد المفرش وتعد العالة لإعداد الشاي للضيف الذي لا يمل بكاساته الثلاث.

ثلاث طواسي

يقدم شاي العالة بواقع ثلاث كاسات اولها أشد قوة، إذ كانت المناسبة حزينة تقدم رفقة الخبز العادي أو خبز الفرن أما إذا كان فرحا يرافق الشاي أنواعا مختلفة من الحلويات ويكون الكأسان الأولان بالرغوة والثالثة رفقة الفول السوداني “الكاكاوية” المحمصة أو اللوز منزوع القشر “المزلط”.

شاهي بالكشكوشة

قال الكاتب فرج غيث، عن قصة الرغوة في مقالة له أن الرغوة عرفت عند الطوارق الذين يضعونها فوق الشاي فإذا تطاير الغبار التصق بالرغوة ولا يسقط في كوب الشاي فيقوم الشارب بنفخ الرغوة فيتطاير معها التراب ويشرب الشاي صافيا نقيا.
وتصنع الرغوة بعد أن يصفى الشاي وتوضع كمية من السكر في الكوب المعدني ويتبادل صب الشاي ما بين الابريق واللقامة حتى تكبر وتتكاثف الرغوة وتوضع في الكاسات.

اليوم، تضاءل تواجد عالة الشاهي في يومياتنا بعد وجبتي الغذاء والعشاء وعند الإفطار في رمضان وفي ليالي الشتاء الباردة ويكاد يقتصر حضورها في الأفراح والاتراح، فأصبحنا نراها في زوايا معارض التراث.

 

شاهد أيضاً

إطلاق مبادرة “خضار ليببا” لتعزيز الغطاء النباتي

قام رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة”، اليوم الأربعاء، بالتوقيع على وثيقة تأسيس “صندوق خضار …