منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

الصحة بين الاستنزاف والحرمان

الحق في الصحة تكفله كل الدساتير والتشريعات الصحية ، والقيم الإنسانية والاخلاقية ، وكل التشريعات الصحية الليبية تنص على أن الدولة ملزمة بالوقاية من الأمراض ومنعها ومكافحتها ، وتوفير الرعاية الصحية الكاملة ، وتعزيز الصحة لمواطنيها وتحسينها لهم.

وإن الصحة حقًا عاماً وليست خدمة تجارية ، والالتزام يشمل بناء وتجهيز وتشغيل المرافق الصحية ، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الحديثة والفعالة والموثوقة ، والكوادر المؤهلة ، وضمان العدالة في التوزيع وعدم التمييز بين المناطق والناس ، مع وضع السياسات والتخطيط والتنفيذ ، ووضع معايير الجودة وسلامة المرضى ومكافحة العدوى ، والرقابة والحوكمة والشفافية الذاتية ومن الجهات الرقابية ، لمراقبة الميزانيات وطرق وصحة الصرف وكفاءة الأداء ، والقضاء يضمن إنصاف المتضررين عند التقصير أو الإهمال والأخطاء الطبية ،

وفي حالة تعطل القطاع الصحي ، أو تدنت الخدمات الصحية ، أو في حالة إنهيار النظام الصحي ، فإن المسؤولية تقع على الحكومة ووزارة الصحة ، والادارات المنوطة والجهات التنفيذية ، وعلى الجهات الرقابية والقضائية ، ولأن القطاع الصحي يمر بمرحلة تعطل شبه تام مما جعل الناس تعتمد قهراً وإجباراً على الخاص في الداخل والخارج ، وما يترتب عليه من إنفاق جيبي مجحف ، وأنظمة دفع نقدي قبل العلاج حتى لحالات الطواريء ، وتضخم للفواتير لتعظيم الفائدة المالية ليس إلا ، ومع إستمرار الإنفاق الجيبي وإرتفاع الأسعار ضاعت المداخيل والمدخرات ، لجأت الناس للاقتراض وبيع الأصول ، وإنعكس على إفقار الأسر ، وتدهور الخدمات ، وإغراق الأسواق بالأدوية الردئة والغير فعالة والمغشوشة ، وغياب الكفاءات الطبية ، ونزيف للعملات الأجنبية لتغطية العلاج في الخارج من الجيب المرهق أصلاً على خدمات متدنية في الداخل .

هذا الإنهيار في القطاع الصحي ومنظومة الخدمات ساهم في إرتفاع مؤشرات المضاعفات والاعاقات والوفيات ، والأمراض المزمنة ، والأعباء النفسية ، والتي يمكن تفاديها ، وحين يكون المرض بلا علاج والأدوية غير فعالة تؤدي لغياب عن العمل ، وتقاعد مبكر ، وتعطل إنتاجية الناس ، وإنخفاض جودة رأس المال البشري ، وفي هذه الأوضاع يزداد رواج الأدوية المغشوشة ، والكوادر الدخيلة ، والتضخم الصحي بإرتفاع الأسعار ، وإتساع اللامساواة ، والقادر يدفع وينجو ، والفقير يتأخر ويتفاقم مرضه ، وتتجزاء الرعاية الصحية ، وتفتقد لنظام الإحالة والمتابعة المعيارية ، وتتضاعف الأخطاء الطبية ، وبالضرورة تتأكل الثقة في المنظومة الصحية ، وتحدث هشاشة وضعف في الأسر الليبية ، وينشأ جيل أقل صحة ، وتتمكن منه الأمراض المعدية والمزمنة والنفسية ،

ولذلك وللإيفاء بالاستحقاقات الدستورية ، والتشريعات الصحية ، والقيم والمبادئ الإنسانية والاخلاقية ، ضرورة العمل على بناء نظام صحي فعال يقوم بمسؤولياته ، ويتطلب العجلة في ذلك بوضع خارطة طريق تجمع بين الإنفاذ العاجل لحزمة منافع مجانية مستعجلة وخصوصا لحالات الطواريء والأمراض المزمنة والحالات السرطانية والمستعصية ، وتنظيم السوق الدوائي ، وتحديث وإعتماد قائمة الأدوية الأساسية والتخصصية ، على أن تكون من مصادرها الأصلية وتخضع للتكويد والتسلسل الرقمي لكل صنف ، وتعزيز الجهة التنظيمية الدوائية لتتبع الدفعات وسلاسل الإمداد ، ودعم غير محدود للمختبر المرجعي لتحليل الأدوية وصحتها وفعاليتها ، مع ضرورة نشر السحب والتحديرات ، وإستكمال منظومة اليقظة الدوائية ، وتفعيل الحوكمة والمساءلة والرقابة والشفافية ، وآليات حماية المرضى ، وتلبية جميع حقوقهم وحفظ كرامتهم ، وسرعة إيجاد آليات لرد المظالم وللايفاء بكل حقوقهم ورد نفقات العلاج الجيبي ، والتعويض الكامل للمتضررين من التقصير في العلاج والإهمال والأخطاء الطبية ، ومحاسبة كل من تسبب أو ساهم في تدني الخدمات الصحية ، وإغراق السوق بالأدوية الردئة ، والممارسات الطبية الخاطئة ، وإقهار المرضى واجبارهم على الخاص في الداخل أو الخارج ، وإجبار المواطنين على أنظمة تمويلية تجارية ليبيا لا حاجة لها لا ماليا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ..

إن أشد أنواع الفقر هو المرض في وطن بلا صحة ولا دواء ، وحين تترك حياة الناس لجيبوهم يموت الفقير صامتا ، ويعيش الغني قلقا ، إن الإنفاق من الجيب أو ما شابهه على الصحة إستنزاف للحياة والكرامة ..

د.علي المبروك أبوقرين

شاهد أيضاً

في غياب نظام التأمين الصحي

أحلام محمد الكميشي استقبل المواطن الليبي التغطية الإعلامية لجولة رئيس هيئة الرقابة الإدارية في المستشفى …