الحق في الصحة تكفله كل الدساتير والتشريعات الصحية ، والقيم الإنسانية والاخلاقية ، وكل التشريعات الصحية الليبية تنص على أن الدولة ملزمة بالوقاية من الأمراض ومنعها ومكافحتها ، وتوفير الرعاية الصحية الكاملة ، وتعزيز الصحة لمواطنيها وتحسينها لهم.
وإن الصحة حقًا عاماً وليست خدمة تجارية ، والالتزام يشمل بناء وتجهيز وتشغيل المرافق الصحية ، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية الحديثة والفعالة والموثوقة ، والكوادر المؤهلة ، وضمان العدالة في التوزيع وعدم التمييز بين المناطق والناس ، مع وضع السياسات والتخطيط والتنفيذ ، ووضع معايير الجودة وسلامة المرضى ومكافحة العدوى ، والرقابة والحوكمة والشفافية الذاتية ومن الجهات الرقابية ، لمراقبة الميزانيات وطرق وصحة الصرف وكفاءة الأداء ، والقضاء يضمن إنصاف المتضررين عند التقصير أو الإهمال والأخطاء الطبية ،
وفي حالة تعطل القطاع الصحي ، أو تدنت الخدمات الصحية ، أو في حالة إنهيار النظام الصحي ، فإن المسؤولية تقع على الحكومة ووزارة الصحة ، والادارات المنوطة والجهات التنفيذية ، وعلى الجهات الرقابية والقضائية ، ولأن القطاع الصحي يمر بمرحلة تعطل شبه تام مما جعل الناس تعتمد قهراً وإجباراً على الخاص في الداخل والخارج ، وما يترتب عليه من إنفاق جيبي مجحف ، وأنظمة دفع نقدي قبل العلاج حتى لحالات الطواريء ، وتضخم للفواتير لتعظيم الفائدة المالية ليس إلا ، ومع إستمرار الإنفاق الجيبي وإرتفاع الأسعار ضاعت المداخيل والمدخرات ، لجأت الناس للاقتراض وبيع الأصول ، وإنعكس على إفقار الأسر ، وتدهور الخدمات ، وإغراق الأسواق بالأدوية الردئة والغير فعالة والمغشوشة ، وغياب الكفاءات الطبية ، ونزيف للعملات الأجنبية لتغطية العلاج في الخارج من الجيب المرهق أصلاً على خدمات متدنية في الداخل .
هذا الإنهيار في القطاع الصحي ومنظومة الخدمات ساهم في إرتفاع مؤشرات المضاعفات والاعاقات والوفيات ، والأمراض المزمنة ، والأعباء النفسية ، والتي يمكن تفاديها ، وحين يكون المرض بلا علاج والأدوية غير فعالة تؤدي لغياب عن العمل ، وتقاعد مبكر ، وتعطل إنتاجية الناس ، وإنخفاض جودة رأس المال البشري ، وفي هذه الأوضاع يزداد رواج الأدوية المغشوشة ، والكوادر الدخيلة ، والتضخم الصحي بإرتفاع الأسعار ، وإتساع اللامساواة ، والقادر يدفع وينجو ، والفقير يتأخر ويتفاقم مرضه ، وتتجزاء الرعاية الصحية ، وتفتقد لنظام الإحالة والمتابعة المعيارية ، وتتضاعف الأخطاء الطبية ، وبالضرورة تتأكل الثقة في المنظومة الصحية ، وتحدث هشاشة وضعف في الأسر الليبية ، وينشأ جيل أقل صحة ، وتتمكن منه الأمراض المعدية والمزمنة والنفسية ،
ولذلك وللإيفاء بالاستحقاقات الدستورية ، والتشريعات الصحية ، والقيم والمبادئ الإنسانية والاخلاقية ، ضرورة العمل على بناء نظام صحي فعال يقوم بمسؤولياته ، ويتطلب العجلة في ذلك بوضع خارطة طريق تجمع بين الإنفاذ العاجل لحزمة منافع مجانية مستعجلة وخصوصا لحالات الطواريء والأمراض المزمنة والحالات السرطانية والمستعصية ، وتنظيم السوق الدوائي ، وتحديث وإعتماد قائمة الأدوية الأساسية والتخصصية ، على أن تكون من مصادرها الأصلية وتخضع للتكويد والتسلسل الرقمي لكل صنف ، وتعزيز الجهة التنظيمية الدوائية لتتبع الدفعات وسلاسل الإمداد ، ودعم غير محدود للمختبر المرجعي لتحليل الأدوية وصحتها وفعاليتها ، مع ضرورة نشر السحب والتحديرات ، وإستكمال منظومة اليقظة الدوائية ، وتفعيل الحوكمة والمساءلة والرقابة والشفافية ، وآليات حماية المرضى ، وتلبية جميع حقوقهم وحفظ كرامتهم ، وسرعة إيجاد آليات لرد المظالم وللايفاء بكل حقوقهم ورد نفقات العلاج الجيبي ، والتعويض الكامل للمتضررين من التقصير في العلاج والإهمال والأخطاء الطبية ، ومحاسبة كل من تسبب أو ساهم في تدني الخدمات الصحية ، وإغراق السوق بالأدوية الردئة ، والممارسات الطبية الخاطئة ، وإقهار المرضى واجبارهم على الخاص في الداخل أو الخارج ، وإجبار المواطنين على أنظمة تمويلية تجارية ليبيا لا حاجة لها لا ماليا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا ..
إن أشد أنواع الفقر هو المرض في وطن بلا صحة ولا دواء ، وحين تترك حياة الناس لجيبوهم يموت الفقير صامتا ، ويعيش الغني قلقا ، إن الإنفاق من الجيب أو ما شابهه على الصحة إستنزاف للحياة والكرامة ..