منصة الصباح

قطاع الصحة: أموالٌ تتبخّر.. وخدمات مفقودة

تقرير/ طارق بريدعة

  أنفقت ليبيا عبر حكوماتها المتعاقبة، مليارات الدينارات والدولارات على قطاع الصحة، وخصَّصت ميزانيات ضخمة للصيانة، والتطوير، والمرتبات، وغيرها من التفاصيل التي يعرفها ديوان المحاسبة، ومصرف ليبيا المركزي..

ورغم ذلك، يحتل قطاع الصحة في ليبيا المركز الأخير، إذا ما صنّفنا ترتيب الوزارات في الدولة..

يخشى المواطن الليبي اليوم من زيارة الطبيب في المصحات الخاصة، فما بالك بالمستشفيات العامة!!

نحن لا نتحدث فقط عن أخطاء في التشخيص، أو أدوية مغشوشة، بل عن أخطاء طبية قاتلة، يدفع المواطن ثمنها من ماله وصحته، وأحياناً حياته..

اجتماعاتٌ دورية، ولقاءات، وميزانيات مرصودة تُبعثر يميناً ويساراً ، إلا أن الحل عند أبسط المشكلات الصحية، هو السفر عبر الحدود للكشف أو العلاج، إذ أن وضع القطاع الصحي في ليبيا مأساوي، والقائمة تطول..

التحديات الرئيسة في قطاع الصحة

. البنية التحتية المهترئة:

المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من سوء الصيانة، أو الإهمال الكامل، ما يجعلها غير مؤهلة لاستقبال المرضى، فضلاً عن غياب التجهيزات الحديثة الضرورية، لتقديم رعاية طبية ملائمة..

. ضعف الكوادر الطبية:

هناك نقص في الكوادر المؤهلة، نتيجة هجرة الأطباء، وضعف التدريب، بالإضافة إلى انخفاض الرواتب، مقارنة بالمخاطر التي يواجهها العاملون في القطاع..

. الأخطاء الطبية المتكررة:

الأخطاء الطبية أصبحت أزمة حقيقية، بدءاً من التشخيص الخاطئ، وصولاً إلى العمليات الجراحية، ما يُكلف المرضى حياتهم، أو يعرضهم لمضاعفات خطيرة..

مصانع للأدوية المغشوشة..
..

. الأدوية المغشوشة:

تنتشر الأدوية الرديئة أو المغشوشة في الأسواق، مع غياب الرقابة الفعَّالة، ما يزيد من معاناة المرضى، ويهدد حياتهم..

. غياب الرقابة والشفافية:

الميزانيات الضخمة التي تُرصد للقطاع، تُستهلك دون تحقيق نتائج ملموسة، في ظل غياب الرقابة الحقيقية من الجهات المعنية، مثل ديوان المحاسبة..

. الاعتماد على العلاج الخارجي:

أصبح السفر إلى الخارج للعلاج، خياراً أساسياً لمعظم المواطنين، حتى لأبسط الحالات الصحية، بسبب ضعف الثقة في الخدمات المحلية..

هذه المشاكل وغيرها، تُظهر أن قطاع الصحة لا يعاني فقط من سوء الإدارة، بل من إهمال مٌمنهج أدى إلى تدهور الخدمات؟ وتفاقم معاناة المواطن الليبي..

نفقات بلا خدمات..

مع اقتراب نهاية العام المالي، تنطلق المؤسسات والوزارات في الدولة الليبية، في تنفيذ عمليات دقيقة لإقفال الميزانية، وفقًا لمعايير وإجراءات تهدف إلى تعزيز الشفافية وضمان المساءلة المالية..

تُعد هذه الإجراءات أساسية لتحقيق استقرار النظام المالي، وتقديم صورة دقيقة للوضع المالي للدولة، حيث تتعاون مختلف الجهات الحكومية لتجميع وتحليل البيانات المالية، والتدقيق في الحسابات، والمصادقة على الحسابات الختامية..

ضمان الشفافية والمساءلة المالية

في إطار حرص الدولة الليبية على تحسين الأداء المالي وضمان الشفافية، تنفذ الوزارات والمؤسسات العامة سلسلة من الإجراءات المالية والإدارية لإقفال الميزانية السنوية..

تهدف هذه الخطوات إلى مراجعة الأداء المالي، وتحليل النتائج مقارنة بالأهداف المحددة في بداية العام..

إعداد التقارير المالية النهائية:

تقوم كل جهة حكومية بتجميع وتحليل بياناتها المالية، حيث يتم إعداد تقارير شاملة توضح الإيرادات والنفقات، مقارنة بالميزانية المعتمدة.

ويتم التدقيق في مطابقة النفقات الفعلية مع المخصصات في الميزانية، إضافة إلى مراجعة الإيرادات المحققة، لضمان عدم وجود تجاوزات أو قصور..

وتشمل هذه المرحلة:- تصفية الحسابات المفتوحة، وتسوية الأرصدة، مع تحديد أي فائض أو عجز في الميزانية..

وتعمل وحدات التدقيق الداخلي، على مراجعة كافة السجلات المالية والعمليات المحاسبية، ورفع تقارير مفصلة للجهات الرقابية..

وتُسلّم التقارير المالية النهائية لديوان المحاسبة، الذي يتولى مراجعتها والتأكد من الالتزام بالقوانين واللوائح المالية المعمول بها..

– التحديات والصعوبات

تعترض عملية إقفال الميزانية في ليبيا بعض التحديات، من أبرزها تأخر المؤسسات في تسليم تقاريرها، أو صعوبة تحصيل الإيرادات بشكل كامل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها البلاد..

ويلعب ديوان المحاسبة دورًا محوريًا في الرقابة المالية، حيث يراقب كافة الخطوات لضمان دقة العمليات المحاسبية، والتزام الجهات الحكومية بالقوانين..

ختامًا:

يعتبر إقفال الميزانية السنوية في ليبيا خطوة حيوية لضمان الشفافية والمساءلة المالية. من خلال هذه الإجراءات، تسعى الدولة لتعزيز ثقة المواطنين في الإدارة المالية الحكومية؟ وضمان الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة..

مراجعة عقود الصحة ومساعٍ لتطوير القطاع الطبي

وجَّه رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبدالحميد الدبيبة”، بمراجعة العقود والتكليفات الصادرة عن وزارة الصحة خلال السنوات الماضية، والتي تم تنفيذها دون الالتزام بمواصفات، أو أسعار نمطية معتمدة..

وأصدر قرارًا بتشكيل لجنة مشتركة، من وزارة الصحة وفريق الصحة بجهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، بهدف استكمال تنفيذ المرافق الصحية بحلول مارس القادم..

وشدد على ضرورة التنسيق بين الوزارة والجهاز، لتحديد الأولويات والعمل على تسريع تنفيذ المشاريع الصحية المتأخرة..

مستشفيات ومراكز صحية خاوية

مشاريع جديدة وسعات سريرية إضافية

نفذ جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، خلال الأعوام “2021-2023″، مشاربع فب قطاع الصحة، وتمت إضافة “386” سريرًا للمرافق الصحية القائمة، وإنشاء “7” مستشفيات جديدة، بسعة “650” سريرًا، بالإضافة إلى تجهيز “9” عيادات ومراكز صحية..

ويجري العمل حالياً على إضافة “220” سريرًا جديدًا، وتنفيذ “19” مستشفى بسعة “2764 سريرًا”..

– انتقادات لأداء جهاز الإمداد الطبي

أعرب “الدبيبة”، خلال أحد الاجتماعات، عن استيائه من “القصور” في أداء جهاز الإمداد الطبي، الذي يواجه انتقادات متزايدة من المواطنين ومديري المستشفيات، بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية..

وأكد دعمه للجهاز، مع توجيهات لتوفير المخصصات المالية اللازمة، وتسريع عملية توريد الأدوية، عبر تفعيل العطاء العام..

إجراءات عاجلة لتطوير الإمداد الطبي

أصدر “الدبيبة” تعليماته لوزارتي الصحة والمالية، باستثناء بند دعم الأدوية في الميزانية العامة، من آلية الصرف كأرباع سنوية، وصرف المخصصات خلال النصف الأول من العام الجاري..

كما وجه وزارة الصحة، لاستكمال مشاريع المخازن العامة بشكل عاجل، وتفعيل منظومة صرف الأدوية، بالتنسيق مع جهاز الإمداد الطبي..

هذه الخطوات تأتي في إطار جهود الحكومة، لمعالجة التحديات التي تواجه قطاع الصحة، وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين..

تكدّس وظيفي.. وتأهيل مفقود

شهد العام الماضي “2023”، افتتاح العديد من المراكز الصحية والمستشفيات في مختلف أنحاء ليبيا، مجهزة بإمكانيات لوجستية حديثة، ومعامل متطورة..

للوهلة الأولى، قد يبدو أن القطاع الصحي بخير، ولكن التقارير تكشف عن تحديات حقيقية، تعيق تحقيق الكفاءة المرجوة..

وفقا للإحصائيات، بلغت نسبة التعيينات في القطاع الصحي “107%” من الحاجة الفعلية، حيث يعمل “409” موظفين في ديوان وزارة الصحة، من إجمالي “197.086” موظفاً في القطاع، دون أن يُلاحظ تغيير في مستوى الخدمات الصحية..

أرقام المرافق الصحية

المرافق العامة غير الإيوائية: “1519” مرفقًا تتوزع على:-

– مراكز الرعاية الصحية الأولية: “549” مركزًا..

– وحدات الرعاية الصحية الأولية: “725” وحدة..

– العيادات المجمّعة: “69” عيادة..

توزيع الأطباء ومعدل التغطية

بلغ عدد أطباء الأسنان “7183” طبيبًا، بمعدل طبيب لكل “704” مواطنين، ما يُظهر توفر الكوادر الطبية، لكن دون انعكاس ملحوظ على جودة الخدمات الصحية..

التحديات المستمرة

رغم التوسّع في البنية التحتية الصحية، فإن الفائض الكبير في التعيينات، وضعف الأداء، وغياب التوازن بين الموارد البشرية وحجم العمل المطلوب، يظلان من أبرز العوائق أمام تطوير القطاع الصحي في ليبيا..

النظام الصحي الليبي: تاريخ من التحديات والفرص

شهد النظام الصحي الليبي تطورات ملحوظة على مدى القرن الماضي، حيث مر بمراحل متعددة، تأثرت بالظروف السياسية والاقتصادية..

البدايات المتواضعة والتطورات الأولى

خلال فترة الاحتلال الإيطالي، تركزت الرعاية الصحية في المدن، وكانت فعالة رغم محدودية الموارد..

بعد الاستقلال، اعتمدت ليبيا بشكل كبير على المساعدات الدولية، وخاصة منظمات الأمم المتحدة، لتوفير الخدمات الصحية..

مع اكتشاف النفط، بدأت حكومة المملكة في تطوير القطاع الصحي، من خلال خطط طموحة لتعزيز البنية التحتية وتوسيع التغطية الصحية..

بعد انقلاب 1969، تم تبني هذه الخطط، وشهدت السبعينيات تحسنًا كبيرًا في الخدمات الصحية، مع بناء نظام صحي متكامل يشمل الرعاية الأولية، والخدمات المتوسطة، والرعاية التخصصية..

استثمارات خارجية

اجتمع رئيس جهاز دعم وتطوير الخدمات العلاجية، خلال الأسبوعين الماضيين، حسب منشور لمنصة “حكومتنا”،مع اللجنة الفنية التابعة لشركة “إليغانسيا” القطرية، في مركز مصراتة لجراحة القلب والشرايين، لمناقشة التحضيرات النهائية، لانطلاق العمل الرسمي بالمركز في فبراير 2025..

تأتي هذه الخطوة في إطار تنفيذ الاتفاقية الموقعة ببن الطرفين في قطر، والتي تهدف إلى إدارة وتشغيل المركز، بالإضافة إلى تدريب الكوادر الفنية الوطنية..

ويعد هذا جزءًا من استراتيجية حكومة الوحدة الوطنية، لتعزيز الخدمات الصحية محليًا، وتوطين العلاج داخل البلاد..

معاناة يومية للمرضى

تراجع النظام الصحي وظهور الفساد

في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، أدى تقليل الإنفاق والفساد الإداري، إلى تدهور الخدمات الصحية، ما دفع المواطنين إلى البحث عن العلاج في الخارج، وزيادة الإنفاق الشخصي على الصحة..

مساعٍ لإنقاذ النظام الصحي

بعد 2011، شهد النظام الصحي انهيارًا شبه كامل، وفي 2012، عُقد مؤتمر الأنظمة الصحية برعاية وزارة الصحة، وتم إصدار وثيقة توصيات، تهدف إلى إصلاح النظام..

تبنى الاتحاد الأوروبي مشروع “تعزيز النظام الصحي الليبي”، لكن الأوضاع الأمنية والسياسية أعاقت التنفيذ، ما أدى إلى توقف المشروع في 2014..

المركز الوطني لتطوير النظام الصحي

في 2017، صدر القرار رقم 255 بإنشاء “المركز الوطني لتطوير النظام الصحي”، بهدف قيادة جهود الإصلاح، وتنسيق المبادرات المحلية والدولية، وضمان اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية..

يتبع المركز لرئاسة الوزراء، ويعمل على وضع خطط استراتيجية، لإعادة بناء النظام الصحي الليبي..

رغم التحديات المستمرة، تبقى الجهود منصبة على إحياء القطاع الصحي، وتقديم خدمات صحية تليق بالمواطن الليبي..

انتظار المرضى بالمستشفيات

متاعب الموتطن بالمستشفيات

تروي إحدى المواطنات، اللواتي يترددن على المستشفيات العامة،

قصة ذهابها للكشف هناك ..في مستشفى الخضراء:-

“إذا أصبت بأعراض جلطة تتطلب تشخيصًا عاجلًا وعلاجًا سريعًا لتقليل المضاعفات، عليك أن تختار توقيت إصابتك بعناية، تجنب منتصف الليل، لأن الطبيب المناوب قد يشعر بالانزعاج من طلبك، ولن ترى الأخصائي المسؤول قبل التاسعة صباحًا، أما طبيب العناية، فقد يطلب منك الانتظار حتى يتوفى أحد المرضى، لتجد سريرًا شاغرًا.”..

في مستشفى الخضراء

“إذا أصابك اضطراب في النبض بعد منتصف الليل، واستدعت حالتك إجراء تخطيط للقلب، استعد للبحث عن الممرضة بنفسك في الغرف. وعند إقناعها بالحضور إلى الصالة، سيتولى الطبيب المناوب قراءة النتيجة، قبل أن يوصيك صديقك بقائمة تحاليل وأدوية عليك شراؤها خارج المستشفى، علّها تصيب الهدف أو تخطئه.”..

في مستشفى الخضراء

إذا كانت حالتك تتطلب تدخلًا سريعًا، أو علاجًا يمنع المضاعفات الحرجة، فمن الأفضل أن تبحث عن مكان آخر تواجه فيه مصيرك ببطء، فداخل قسم الطوارئ، الطبيب الذي يقضي ساعات في المزاح بصوت مرتفع مع زملائه، لا يحتمل أي أسئلة أو استفسارات، أما أقارب المرضى، فعليهم التوقف عن الإزعاج، وتوفير الأموال للسفر إلى تونس، لأن “هنا ليست ألمانيا، والطبيب ليس إنسانًا أولًا”..

شاهد أيضاً

تنفيذ مشروع رصف وتعبيد طريق البقيع ببلدية صرمان

أعلنت بلدية صرمان، عن صدور قرار وزير المواصلات بحكومة الوحدة الوطنية رقم 1477 لسنة 2024، …