الكثير من الأمم والشعوب تنهض بعد الحروب والصراعات والكوارث ، غير أن الإنهيار الحقيقي هو في إنهيار النظام الصحي والتعليمي لأنهما ركيزتا المعرفة والقدرة ، وأساس التنمية والإزدهار ،
والتعليم يصنع العقول القادرة ، والصحة تصون الأجساد المنتجة ، وبدونهما تضعف المجتمعات ، وتفقد الدول قوتها واقتصادها ومكانتها الحضارية ، والصحة والتعليم هما أعمدة بقاء الأمم وتقدمها ، وعند إهمال التعليم ،
وترك الناس بلا صحة تسقط حضارة الأمة قبل سقوط الدولة ، وإذا كان إنهيار التعليم العام والنظام الصحي خطرا على الأمم فإن الخطر الأعظم حين يمتد التدمير للتعليم والتدريب الطبي والصحي ، والذي يؤدي لفقدان الكفاءات المؤهلة لحماية حياة الناس ، وفي غياب الأطباء،المدربين جيدا ، والتمريض الكفؤ يضعف النظام الصحي ،
ويصبح المرضى ضحايا ، والمجتمع عرضة للأوبئة والكوارث والمضاعفات والوفيات المبكرة ، لأن التعليم والتدريب الطبي والنظام الصحي القلب النابض الذي يحفظ حياة الناس ، ويضمن استمرارية الأجيال ، وفي إنهيارهم تفقد الأمة عقلها الطبي ، ويدها العلاجية ، ومؤسساتها الوقائية ،
وتتضاعف المعاناة وتتحول الصحة من حق إنساني إلى إمتياز مادي ، وتفتح على المرضى أبواب الاستغلال التجاري ، والأدوية المغشوشة والخدمات الرديئة ، وفي غياب الكفاءات لا يحدث التدني في الخدمة فقط بل حكم بالإعدام على المستقبل ، وحين ينهار التعليم الطبي ينهار الطب ، وبإنهيار النظام الصحي ينهار المجتمع ، لأن التعليم الطبي هو الضمانة الأولى لحياة الأجيال ،
والتدريب الصحي الجيد هو السند الحقيقي للمرضى ، والنظام الصحي الفعال هو الدرع الواقي للأمة ، وتدمير المستشفيات والمؤسسات الصحية العامة لا يقل خطرا عن تدمير المدارس والمؤسسات التعليمية العامة فكلاهم يفتحون أبواب الجهل والمرض ،
ويصبح المجتمع فريسة للأمراض والفقر والانحطاط القيمي ، ومن أكبر الجرائم حين يترك التعليم الطبي والتدريب الصحي لتجار الفرص والأزمات ، وتجار العلم وبورصة الشهادات ، ولتجار المرض ، ومع غياب دور الدولة تزداد آلة التدمير للمؤسسات الصحية العامة ، والإفقار لطبقة اجتماعية واسعة ، وإنتشار الأمراض بشتى أنواعها المنتج الأساسي الذي يغذي إستثمارات تجار الصحة ، ويُضخم الفساد وتنتشر الأمراض الاجتماعية ، وتنهار الاقتصادات والقيم الإنسانية ،
وتتحول صحة المجتمع ومستقبل الأجيال إلى سلعة في سوق مفتوح بلا ضمير ، وهنا تصبح الجريمة في حق التعليم والصحة من أكبر الجرائم التي تتصدر ما اقترفته البشرية من خطايا لأنها تستهدف الإنسان ذاته ، في عقله بالجهل ، وجسده بالمرض ، وروحه بالفقر واليأس والذل ،
إن أخطر الجرائم ليست التي ترتكب بالسلاح بل تلك التي تهدم عقول وأجساد الأمة وأجيالها ، لأن بتحول المرض إلى تجارة والمعرفة إلى صفقة يباع الإنسان في سوق الإنحطاط ، الأكثر سوء من كافة الجرائم الكبرى ، ولا جريمة أبشع من ترك الشعوب بين جهل قاتل ومرض مستغل .
على الدولة أن تتحمل المسؤولية في الحفاظ على صحة المجتمع ، ومستقبل الأجيال ، وتعيد بناء النظام الصحي والتعليم الطبي ، بعيد عن سياسات السوق ، ومافيات الاتجار في الصحة والتعليم الطبي …
د.علي المبروك أبوقرين