بغض النظر عن السياسات الاقتصادية التي تسلكها الدول لتأمين نفسها من الإفلاس والفقر والبطالة يبقى الموقف السياسي من الأحداث الجارية والمتسارعة في محيطها هو العمود الفقري للإستقرار والنأي بالنفس حتى وإن كان المجتمع الدولي في كثير من الاحيان يحاول إجبار ودفع الدول لإتخاذ مواقف وفق ما تقتضية مصالح هذه الدول العليا ولا يهتم لحجم الخسائر المترتبه على هذه المواقف .
فأوكرانيا دولة غنية ومستقرة غير أن رغبتها في الانضمام لحلف الناتو جلب لها الدمار كون أن الموقف السياسي كان يشكل خطر استراتيجي على مصالح روسيا ويحشرها في زاوية ضيقة أمام عدوها الأول أمريكا.
في حرب غزة كان الشارع العربي بحماسة الوطني وشعارته القومية يرى أن الموقف المصري من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني هو موقف متخاذل لكن حساب الحقل المصري يخالف حساب البيدر .فمصر تعيش على المساعدات الإمريكية إلى جانب ديونها المتراكمة بسبب مشروعاتها الكبرى وهبوط قيمة الدينار المصري لم يترك للقيادة المصرية إلا خيار قيادة المفاوضات بين إسرائيل وحماس لحفظ ماء الوجه ولعدم إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل لو فكرت في ترحيل سكان غزة إلى سيناء.
في 2006 دخل حزب الله في مواجهة مع إسرائيل في الجنوب اللبناني لمدة(33)يوما وقد تكون دوافع حزب الله في إتخاذ قرار الحرب في ذلك الوقت لإشغال الرأي العام اللبناني من قضية اغتيال الحريري في 2005 والمتهم فيها الحزب .إلا أن الظرف السياسي والاقتصادي في لبنان منعتةالحزب من فتح جبهة عسكرية مع إسرائيل واستغلال الفرصة التاريخية في المواجهة التي تقودها حماس في غزة .
أما السلطة الفلسطينية في الضفة بقيادة محمود عباس فقد خسرت سياسيا ووطنيا نتيجة لمواقفها المتخاذلة من حرب غزة حيث اعتبرت أن حركة حماس اتخذت قرار الحرب دون العودة إليها أو التشاور معها على اعتبار أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني
وبعيدا عن الشأن الإقليمي أو الدولي فإن السؤال المطروح حاليا على الصعيد الوطني .كيف تعالج المواقف السياسية المتباينة في ليبيا مع محيطها الإقليمي والدولي مع وجود حكومتين وبرلمان متمثل في شخص عقيلة صالح ومجلس دولة متمثل في محمد تكالهةوجنرال وكتائب أمنية تتحكم في المسار العسكري .
الشفرة الليبية معقدة جدا وخطوطها متشابكه ومصالحها مع كافة الأطراف المتصارعة على الملف الليبي .تركيا تدعم في حكومة الوحدة الوطنية وتتفاوض مع الحكومة الليبية .ومصر تدعم الحكومة الليبية بينما منحت حكومة الوحدة الوطنية لشركاتها للعمل في الغرب الليبي .الحكومة الليبية تنجز في مشاريع إعمار بنغازي والمصرف المركزي تحت سلطة حكومة الوحدة فمن أين تأتي أموال الإعمار ؟ تصدير النفط وبيعه يمر عبر البوابة الشرقية وأموال البيع في خزائن المصرف المركزي في طرابلس .مصر تفرض ضرائب دخول على الليبيين دون أن تتخذ الحكومة الليبية أي موقف تجاه إذلال الليبيين على معبر السلوم والحكومة التونسية تعرقل دخول الليبيين من معبر رأس جدير دون أي موقف من حكومة الوحدة الوطنية .
ورغم هذا التشظي والعبث والخلل الخطير الذي يعصف بالدولة الليبية فإن ما يغطي على تفككها هو توحيد المؤسسة الوطنية للنفط المصدر الرئيسي والوحيد لثروة الليبيين وهو قرار ناتج عن إرادة ورغبة دولية في عدم وضع الثروة النفطية في بازار المناكفات السياسية .ولو أن هذه الفرصة التاريخية قد لا تكون متاحة .فالاحداث الدولية والإقليمية تتسارع وتتبدل وقد تصبح ليبيا في قادم السنوات دولة غير قادرة في التحكم في موردها الوحيد وقرارها السيادي مالم تتوحد سياسيا واقتصاديا وأمنيا خصوصا أن معظم دول الجوار تمر بظروف إقتصادية وأمنية غاية في الخطورة .فلماذا نضع أنفسنا في زوايا حرجة ومطبات سياسية خطيرة قد يرى فينا الصديق قبل العدو لقمة سائغة فتتداعى علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها وليس بالضرورة أن يكون هذا التداعي بالشكل المباشر لكن من خلال ملف الاتجار بالبشر وتوطين المهاجرين أو من خلال استغلال المياه الإقليمية في صيد السمك والبحث عن النفط أو من خلال التواجد العسكري والوقوف ضد توحيد المؤسسة العسكرية أو من خلال إعطاء براح أوسع للمنظمات الدولية للعمل في ليبيا بالشكل الذي تريده هي لا بالشكل الذي نريده نحن .
حفظ الله ليبيا من كل شر