بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
يمكن اعتبار جولة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في منطقة الشرق الأوسط، وهي الرابعة له منذ بدء الحرب الإسرائيلية غير المسبوقة على قطاع غزة التي دخلت شهرها الرابع، جولة “الشعارات الخاوية وتمرير الرسائل” بامتياز، دون المساس بما يُعرف بالثوابت للكيان الإسرائيلي القائمة على تخيير الفلسطينيين بين الإبادة الجماعية أو الهجرة والشتات.
وكرر بلينكين، الذي يُعرف بـ “الأذن السياسية” للرئيس الأمريكي بايدن، في كل المحطات التي زارها التأكيد على أن الولايات المتحدة تعمل على عدم تكرار ما جرى في السابع من أكتوبر ما يعني بوضوح دعمها لاستمرار الحرب والقتل والدمار الذي زرعته دولة الاحتلال في القطاع إلى حين القضاء على المقاومة الفلسطينية بالكامل، وهو أمر غير واقعي بحسب الخبراء بما فيهم الإسرائيليون.
ورفع بلينكين، لتضليل الرأي العام الأمريكي والدولي بعد اتساع دائرة الرفض الشعبي لحرب الإبادة الجماعية وانتشار صور الجثامين والأشلاء البشرية والدمار الواسع، شعار العمل على عودة سكان غزة المهجرين إلى ديارهم في شمال القطاع وهو يعلم، وكذلك العالم بأسره، أن تلك الديار أضحت أثرا بعد عين بعد أن سوتها القنابل الأمريكية بالأرض وتولت الدبابات والجرافات الإسرائيلية جرف الطرق والبنى التحتية وتخريب كافة مظاهر الحياة في تلك المناطق.
ويحاول بلينكين، من خلال تصريحاته على خلفية سنة الانتخابات الأمريكية، صرف انتباه الرأي العام عن قرار حكومة الاحتلال بعدم السماح بعودة النازحين والمهجرين قسرا إلى أحيائهم وقراهم على الإطلاق خاصة وأن فرق الهندسة العسكرية لقوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل حاليا تفخيخ كافة المباني التي لا تزال قائمة وتدميرها بهدف إنشاء مناطق عازلة على طول ما يُعرف بالحدود مع مستعمرات غلاف غزة.
وقام بلينكين، في إحدى محطاته خلال هذه الجولة بمرافعة “شعارات” خالية من أية عواطف، بزعم مواساة الصحفي في قناة الجزيرة وائل الدحدوح الذي فقد عددا كبيرا من أفراد أسرته آخرهم ابنه حمزة الصحفي هو الآخر في (الجزيرة)، قائلا “أنا آسف جداً جداً على الخسارة التي لا يمكن تخيلها التي عانى منها. أنا والد أيضاً لا أستطيع أن أتخيل المعاناة التي عاشها ليس مرة واحدة بل مرتين”. وتابع: “هذه مأساة لا يمكن تصورها، وهذا هو الحال أيضًا، كما قلت، لعدد كبير جدًا من الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين الأبرياء، والمدنيين، وكذلك الصحفيين – من الفلسطينيين وغيرهم”، إلا أنه لم يقم بإدانة حملة قوات الاحتلال لتصفية الصحفيين الممنهجة وتكميم الأفواه بل لم يقم بمجرد مطالبة قوات الاحتلال بالكف عن هذه الممارسات الإرهابية والقمعية ضد الصحفيين.
ومن بين الرسائل التي حرص بلينكين على توجيهها على خلفية “جولة الشعارات”، رسالة التركيز على استمرار جهود التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وجاءت هذه الرسالة تحديدا بعد محطة (العُلا) السعودية حيث التقى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقبل صعوده إلى الطائرة للتوجه إلى (تل أبيب) صرح فيما يتعلّق بالتطبيع قائلا “تحدثنا عن ذلك في الواقع في كل محطة بما في ذلك بالطبع هنا في السعودية”.
وفي الوقت الذي كان الوزير بلينكين يوجه فيه رسائله المفخخة في جولة “الشعارات” أكد منسق الاتصالات الاستراتيجية بالبيت الأبيض جون كيربي يوم الثلاثاء، أن الولايات المتحدة لا تؤيد وقفا لإطلاق النار حاليا في قطاع غزة، لكنها تدعم إقامة هدنة إنسانية.
وأشار كيربي إلى أن الموقف الأمريكي بشأن هذه المسألة لم يتغير وما زلنا ندعم التوصل إلى هدن إضافية وزيادة إيصال المساعدات في غزة، لكن لا نؤيد وقف إطلاق نار”.
إن الرهان على أمريكا مضيعة للوقت فهي شريك كامل في حرب الإبادة الجماعية على غزة وتهجير الفلسطينيين وإقامة الشرق الأوسط الجديد بزعامة “الكيان الإسرائيلي”، وقد شدد بلينكين على “دعم (دولة الاحتلال) اليوم وغدا وإلى الأبد” واعتبر في المقابل أن دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية لا أساس لها وتصرف جهود العالم عن الجهود المهمة لإحلال السلام غير أنه لم يُعرف كيفية إحلال هذا السلام مع استمرار بلاده في منع وقف إطلاق النار واستمرار نزيف الدم الفلسطيني والخراب.