منصة الصباح

الشاطىء الرابع

بقلم : منصور بوشناف

إلى روما وطرابلس وبنغازي والجنوب الليبي تأخذنا هذه الرواية صحبة بطلتها الإيطالية في رحلة «ليست سياحية» وإنما في رحلة اكتشاف ومُعاناة لليبيا «الإيطالية» وهي تتأسس بالقوة وعلى حساب أرواح الليبين والايطالين يدفع فيها الليبيون أرواحهم وممتلكاتهم وتاريخهم وهويتهم من أجل أمجاد روما وأوهام «الفاشية» وهلوساتها  ويشاركهم المصير نفسه بسطاء ايطاليا وفقراؤها الذين يعانون الفقر والاضطهاد ويبحثون عن ملجأ وملاذ في «الشاطيء الرابع» كما سوقت لهم الدعاية الاستعمارية والفاشية .. إنها تنقلنا إلى زمن القسوة ذاك حيث نعيش مع أبطال هذه الرواية لحظات وتاريخ ولادة طرابلس الإيطالية ونموها  حيث نرى «الكنيسة ومبنى البلدية ومسرح الماريمار  والهمبرا  ومبنى البريد والمحال التجارية والمقاهي والنوادي الليلية والمصانع والمزارع وهي تبنى وتحتل الريف الطرابلسي  نرى الفاشية وهي تقبض عليها بقسوة  نرى طائراتها وهي تطارد الليبين في أعماق الصحراء وتقتلهم  من أجل «ليبيا خالية من الليبين»  .. نرى «روما القديمة « وهي تبعث من تحت رمال ليبيا  ويتحول الماضي الأمبراطوري المنقرض إلى وثيقة ملكية «تشرعن» الاحتلال والطلينة .

تصل بطلة الرواية إلى طرابلس بدعوة من شقيقها المعادي للفاشية وأحد ضحاياها الذين اجبروا بعد الاعتقال والتعذيب على النفي إلى هذه الواحة الإفريقية طرابلس  لنرى عبر عيونها طرابلس في عهدها الفاشي  حيث الليبيون لاحضور لهم فيها إلا كخدم ومهمشين فقراء مضطهدين  بينما نرى طبقة الإيطالين الفاشست وهم يعيشون في رغد  وابهة .. في الجانب الآخر نقابل أخاها الذي يسكن وسط الليبين في المدينة القديمة ويتزوج من ليبية ويظهر تعاطفه مع الليبين  رغم أن الليبين لايظهرون في هذه الرواية غالبا الا ككومبارس في مشاهد فيلم الشاطيء الرابع المرير .

الفتاة الإيطالية البريئة والبسيطة التي وصلت طرابلس والتي يمتليء رأسها بالدعاية الفاشية  تكتشف عبر تجربتها الليبية قبح الفاشية وقسوة وبشاعة رموزها وأبطالها عبر علاقتها بالطيار الحربي الذي يغتصبها بوحشية كل مرة قبل أن يقود سرب طائراته الحربية وينقض بالقنابل والرصاص على الليبيين المشردين في الصحراء أو الذين يعانون الفقر والقهر والرعب في واحاتهم وقراهم الفقيرة البائسة .. «العقيد الفاشي الإيطالي» لا يكتفي باغتصابها وقتل الليبين بل يغتصب زوجة شقيقها الليبية . . كل هذه التفاصيل القاسية تسردها هذه الرواية بدقة عالية حتى توشك أن تكون وثيقة تاريخية على تلك المرحلة المرعبة من تاريخ ليبيا  هي أيضا مسح انثربولوجي لتفاصيل الحياة الليبية من  عادات وتقاليد  وصف تفصيلي للأكلات والملابس  والحرف والأسواق  أن وصف طرابلس في تلك الفترة يبدو في هذه الرواية دقيقا ومتقنا .

من «عقيد إيطاليا الفاشي « في الثلاثينيات من القرن الماضي إلى «العقيد الليبي» في ثمانينات القرن العشرين  بالضبط من غارات العقيد الإيطالي على الليبين الهاجين باتجاه الصحراء هربا من قمع وتنكيل الاحتلال إلى حملات الاغتيالات التي يشنها العقيد الليبي نهايات القرن العشرين على معارضيه الهاجين إلى أوروبا هربا أيضا من البطش والتنكيل «الوطنين» تتنقل بنا ساردة  وبطلة هذه الرواية .

هذه رواية إنجليزية تخصنا كتبتها «فرجينيا بايلي» على نحو ممتاز ونالت ترجمة  دقيقة وسلسة  قام بها المترجم الليبي «فرج الترهوني» متوجا بها ترجمات كثيرة من الأدب العالمي أثرى بها الكتبة العربية  ويضيفها الناشر «غسان فرجاني» لمنشوراته المتميزة .

ربما ونحن نقرأ هذه الرواية نعيد قراءة تاريخ قاس عاشه أجدادنا وعاشته طرابلس وليبيا كلها من القتل والتهجير ومطاردة الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء ورميهم بالرصاص في حرب إبادة قلّ نظيرها في التاريخ  ولكن كان اولئك القتلة المحتلون يواصلون بناء طرابلس وليبيا الإيطالية بهمة واخلاص وتلك هي المسألة بالنسبة لنا الآن  فنحن نواصل القتل «لليبين» بهمة عالية ايضا ولكن دون بناء أي شيء  بل تدمير مابناه المستعمرون والقليل الذي بنيناه سابقا .

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …