بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
الرئيس ماكي سال ينحاز إلى التداول السلمي للسلطة
شرف الرئيس السنغالي ماكي سال بلاده والديمقراطية السنغالية الفتية وقبة البرلمان السنغالي وتاريخه السياسي عندما أعلن مساء يوم الإثنين الماضي أنه لن يترشح لولاية رئاسية جديدة كانت أثارت الكثير من الجدل الدستوري والسياسي في البلاد وأسالت الكثير من الحبر.
واعتبر الرئيس سال في خطاب بثه التلفزيون الوطني السنغالي أن دستور السنغال كان سيسمح بترشيحه على الرغم من انتخابه بالفعل لولاية ثانية في عام 2019 إلا أنه استدرك قائلا “حتى لو كان لي الحق، شعرت بأن واجبي ليس الإسهام في تدمير ما بنيته لهذا البلد … لقد قلت إن ولاية 2019 كانت آخر ولاية لي، وأعلم أن هذا القرار سيكون مفاجأة لكل من تربطهم صداقة معي … السنغال أكثر من مجرد أنا، إنها مملوءة بالأشخاص القادرين على نقلها إلى المرحلة التالية”.
ووضع الرئيس ماكي سال بهذا الإعلان حدا لحوالي ثلاث سنوات من الجدل بشأن ترشحه من عدمه لإنتخابات 25 أبريل 2024 وبرهن أنه رجل دولة بامتياز يحترم الدستور ويحرص على التداول السلمي للسلطة في هذا البلد الإفريقي الذي يُعتبر منارة للديمقراطية في القارة السمراء حيث ظلت قبة البرلمان في السنغال، الوحيدة في القارة الأفريقية، شامخة، آمنة وبعيدة عن أحذية العسكر منذ الإستقلال قبل أكثر من ستة عقود.
راهن البعض على تمسك الرئيس ماكي سال بالسلطة وفق فتوى دستورية قد يكون مقربون منه ومستفيدون عملوا عليها إلا أن الرجل انحاز إلى بلاده وأكد أنه كبير بكبر الإنجازات التي حققها منذ توليه السلطة عام 2012 في المجالات الزراعية والإقتصادية وتنمية المناطق الريفية وقطاع المواصلات والصيد البحري، وهي إنجازات غيرت وجه السنغال، وقرر الخروج من الباب الكبير.
ورحب مناضلون في السنغال وفي عموم القارة السمراء وفي العالم بقرار الرئيس ماكي سال رغم خروج بعض الأصوات في أوساط المعارضة السنغالية التي روًجت أن الرئيس سال اضطر للإنسحاب تحت ضغط الشارع السنغالي بعد أن خرج في مظاهرات عارمة مطلع يونيو الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بحجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في السنغال التي تأثرت كسائر دول العالم بجائحة (كوفيد – 19) وبالحرب الروسية الأوكرانية، إلا أن خلفية هذا الإحتجاجات، بحسب مراقبين محايدين، كانت بسبب حالة الضبابية التي التزمها الرئيس سال.
أشرت في مقال سابق تحت عنوان: قبة البرلمان في السنغال تئن تحت وطأة الصدامات، (الصباح 08/06/2023) إلى أنني تواصلت مع الكثير من الأصدقاء السنغاليين الذين دعموا الرئيس ماكي سال في انتخابات 2012 و2019 وأجمعوا أنه يتعين على الرئيس سال الإفصاح عن نيته بعدم الترشح لولاية ثالثة.
ورأى هؤلاء الأصدقاء أنه على الرئيس ماكي سال أن ينتبه إلى أن الموالين له الذين يدفعونه إلى خوض ولاية ثالثة مشكوك فيها دستوريا، هم حوله في السلطة وغايتهم الحفاظ على مناصبهم وعلى امتيازاتهم وعلى مكاسبهم الشخصية.
وأشرت في ذات المقال إلى أن السنغال أكبر من المعارض السنغالي عثمان سونكو الذي اعتمد الخطاب الشعبوي وتسويق الوهم لاستغلال آلاف الشباب السنغاليين العالقين بين الضياع فوق اليابسة وركوب البحر على متن قوارب الموت، وأنه يتعين على الرئيس ماكي سال أن يؤكد أن السنغال أكبر من الجميع بالفعل ويأخذ خطوة إلى الخلف للسماح بالتداول السلمي للسلطة والحفاظ على شموخ قبة البرلمان السنغالي، وهو ما أعلنه صراحة مساء يوم الإثنين الماضي.
لقد أحرج الرئيس ماكي سال بهذا القرار الشجاع الكثير من الرؤساء في القارة الأفريقية الذين أقسموا أمام شعوبهم وأمام العالم على احترام دساتير بلدانهم التي تنص على ولايتين رئاسيتين فقط إلا أنهم نكثوا القسم دون أن يندى لهم جبين وتلاعبوا بالدساتير وتمسكوا بالسلطة، وقزًم العسكر الذين انقلبوا على السلطة المنتخبة في بلدان أفريقية أخرى ومنعوا التداول السلمي للسلطة.