منصة الصباح

السحر بين الحقيقة والوهم …

أمنة الهشيك 

استاذ قانون

يقول الله عز وجل ﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾، مهما أوتي الساحر من قوة على تسخير جنه لهلاك الإنس فهذا لن يعطيه قدرة على شيء ويقول ﴿قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾، ويقول تعالى ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ﴾ فالسحر قد يسبب تخيلات لدى البعض تكاد تكون حقيقية.

السحر والشعوذة والمس ثابت بالقرآن ولكن هل لها تأثير حتمي هل تفوق هذه القوى الواهية قدرة الله.

باستقراء نصوص (قانون جريمة السحر والشعوذة)، نستنبط أن في هذه النصوص اعتراف ضمني من قبل المشرع بالقوة الخارقة التي يملكها الساحر إلى الحد الذي قرر له عقوبة القصاص والسجن، إذا أن ما يقوم به الساحر يؤدي حتما إلى النتيجة وهي هلاك المسحور! وفي هذا انكار لقدرة الله تعالى، والإيمان والتسليم بالقضاء والقدر إلى جانب ذلك أن هذه العقوبة تتنافى مع سياسة التجريم والعقاب الحديثة، والمعايير الدولية التي تقتضي أن تكون العقوبة متناسبة مع الجريمة التي ارتكبت.

لو سلمنا جدلا بفكرة أن للسحر تأثير حتمي على المسحور، ماهي المسؤولية الجنائية له إذا ما ارتكب جريمة؟ هل سيكون السحر الذي أصابه مانعا من مسائلته جنائيا! فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول ” رفع القلم عن ثلاث” النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ ” وليس من بينهم المسحور.

أيضا لو سلمنا أن له نتيجة، حتمية كيف سيتم إثباتها ماهي الآلية التي يجب أن تتبع لإثبات العلاقة السببية بين سلوك الساحر والنتيجة التي وقعت؟ لا سيما وأنها من الغيبيات.

نحن نرى أن التكييف الصحيح لجريمة السحر هو أنها من جرائم ذات السلوك، أي يعاقب على أفعال الشعوذة التي يأتيها لأنها أفعال تنافي وتخالف العقيدة الإسلامية.  فلابد أن يقع الساحر ومن يلجأ له تحت طائلة المسائلة الجنائية لأن ما يقوم به جريمة ويخالف العقيدة الإسلامية، ولكن يعاقب على سلوكه. ولا يعاقب على النتيجة فلا يمكن الجزم بوجودها.

ففعله لا يتحكم بمصير البشر، حتى وإن استعان بالجن، فالله لم يجعل لمخلوق سلطة على آخر، فالله أثبت لنا في العديد من مواضع القرآن أن الإنسان أقوى من الشيطان ” إن كيد الشيطان كان ضعيفا ” ” أما في وصفه للإنسان ” إن كان كيدهم لتزول منه الجبال ”

 

ثم نجد المشرع أنه حدد أدلة إثبات محددة ومقيدة لإثبات الجريمة وهذا يهدم ما استقر عليه في القانون الجنائي، فنظام الإثبات الجنائي. يترك للقاضي الحرية في أن يستمد اقتناعه من أي دليل وبأية وسيلة يراها موصله للحقيقة، وهذا ما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية الليبي في المادة (275)، وهذا لا يعني أن يعتد بأي دليل يظفر به بل لابد أن يكون مشروعا وغير مخالف للقانون، فلا بد أن تكون الإدانة مبنية على اليقين، إذ أن الشك يفسر لمصلحة المتهم، وهذا ما استقرت عليه أحكام ومبادئ المحكمة العليا.

 

كان الأجدر قبل سن تشريعات جنائية وتشديد العقوبة، تسليط الضوء على سبب استفحال هذه الظاهرة، واتباع سياسة جنائية ملائمة لمواجهتها يفترض أن تتبع للقضاء على هذه الظاهرة.

وهذا يحتم علينا توجيه سؤال لأنفسنا، ما السبب في أن يصبح السحر ظاهرة منتشرة في مجتمعنا الليبي لطالما كنا ولا زلنا من المجتمعات الملتزمة بتعاليم ديننا الإسلامي؟ ما السبب المؤدي إلى تهافت البعض وسعيهم في اللجوء إلى السحرة لتغيير أقدارهم أو هلاك بعضهم البعض!

الجواب ضعف الإيمان بقضاء الله وقدره، الجهل بتفاسير وتدبير معاني الآيات القرآنية، لا بد أن ننشر ثقافة الوعي بين عامة المجتمع، فتلك الفتاة تعطلت في الزواج لأنها مسحورة! وكأن الله قد كتب لها الزواج والساحر تغلب على القدر وعطل لها ذلك، فما نسمعه من الروايات التي تروى في الشارع الليبي عن قدرات السحرة أقرب إلى من يشاهد سلسة هاري بوتر أو عالم نارنيا! فحتى إن كان لها تأثير فهي من الغيبيات وبإذن من الله ” وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله، ويقول الله ” ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك “لا بد أن نضع حلول جدرية لاستئصال هذه الظاهرة ومنعها من التفشي على نطاق أوسع وألا نقع فريسة الجهل وقلة المعرفة.

فلا نريد أن نكون ناظرين غير مبصرين فإعمال العقل هو فرض عين على عامة البشر، فالله يخاطب العقل في كثير من الآيات القرآنية ” أفلا تعقلون، أفلا تبصرون، لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان بنعمة العقل فكيف له بتسفيه نفسه وتصديق غير الله! ﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.

لا بد من وضع نصوص هذا القانون على محك العقل وإخضاعها لمحكمة النقد، لأنها ستؤدي حتما إلى إنهاك القضاء.

   يجب أن نبحث عن الحقيقة، ولا نحاول أن نثبت أن ما نتوههم هو الحقيقة.

 

شاهد أيضاً

يوم للصحافة ام للحرية!

فتحية الجديدي لا مناص بأن حرية الصحافة تُعد بمثابة الضلع الثالث لبناء العمل الصحفي الجاد …