الصباح – تقرير :طارق بريدعة
يُعد القطاع الزراعي أحد الركائز الأساسية لتحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في أي دولة، ويكتسب أهمية مضاعفة في بلد مثل ليبيا، التي تمتلك إمكانات زراعية هائلة، لكنها تواجه تحديات كبيرة..
على الرغم من الجهود المبذولة من قبل وزارة الزراعة والثروة الحيوانية لتعزيز التعاون الدولي، وإطلاق مبادرات محلية، إلا أن غياب الإنجازات الملموسة، يثير التساؤلات حول جدوى هذه الجهود، ومدى انعكاسها على أرض الواقع..
نُسلط الضوء في هذا التقرير، على الفجوة بين النظريات والواقع العملي في القطاع الزراعي الليبي، والحاجة إلى التحرك الجاد نحو تنفيذ مشاريع مستدامة، تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وتعزز من قدرة ليبيا على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية..
اجتماعات ومبادرات.. وغياب الإنجازات
رغم سلسلة الاجتماعات والفعاليات التي عقدتها وزارة الزراعة والثروة الحيوانية في ليبيا خلال الأشهر الماضية، والتي ركزت على تعزيز التعاون الدولي، ونقل التقنية وتشجيع الاستثمار الزراعي، إلا أن الواقع يشير إلى غياب تأثير ملموس لهذه الجهود على الأرض..
فالقطاع الزراعي ما زال يعاني من التراجع الواضح في الإنتاج، حيث تعتمد البلاد بشكل شبه كامل على استيراد معظم احتياجاتها الغذائية الزراعية من الخارج، ما يطرح تساؤلات عن جدوى هذه الجهود وفاعليتها في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة..
اجتماعات متعددة.. ورؤى غائبة
تُعد الاجتماعات الأخيرة التي عقدها الوزير ونوابه مع وفود دولية وإقليمية، مثل اللقاء مع القائم بالأعمال الياباني، والوفد العُماني، دليلاً على وجود اهتمام دولي وإقليمي بموارد ليبيا الزراعية. وتم خلال هذه اللقاءات مناقشة فرص الاستثمار، ونقل التقنية وبناء القدرات..
كما تضمنت هذه الاجتماعات دعوات للمشاركة في فعاليات دولية، مثل معرض البستنة في اليابان 2027..
ورغم هذه التحركات، إلا أن غياب مشاريع زراعية قائمة، أو إنتاج محلي يُعزز الأمن الغذائي يبقى التحدي الأكبر..
مبادرات محلية.. وتوصيات غير مُفعّلة
من بين الجهود المحلية، نظمت الوزارة ورش عمل مثل تلك التي عُقدت في “بني وليد” بعنوان “الموارد الزراعية وفرص الاستثمار”، والتي خلصت إلى توصيات علمية لدعم التنمية الزراعية..
كما ناقش الاجتماع الذي عقده وكيل الوزارة للشؤون الفنية، سبل تحسين جودة الإنتاج الزراعي وخفض التكاليف، مع التركيز على تفعيل الجمعيات الزراعية وتنظيم إدارتها..
لكن رغم ذلك، لا تزال هذه التوصيات تراوح مكانها، دون تحويلها إلى مشاريع ملموسة على أرض الواقع..
البيئة وتغيّر المناخ: تحديات إضافية
في ورشة عمل نظمتها وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة الزراعة، تم تسليط الضوء على تحديات تغيّر المناخ وتأثيره على الموارد الزراعية..
وشملت الورشة تقييم المخاطر، ووضع خطط للتكيف مع التغيّرات المناخية.. ومع أهمية هذا الموضوع، فإن تحسين القطاع الزراعي يحتاج إلى إجراءات مباشرة لتعزيز الإنتاج المحلي، وليس فقط إلى خطط طويلة الأمد..
التحدي الأكبر: الإنتاج المحلي
أبرز ما يواجه وزارة الزراعة هو عدم وجود مشاريع زراعية فعّالة، يمكنها تقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية..
بينما تُبذل جهود للتعاون الدولي والمحلي، فإن المواطن الليبي لا يزال يعاني من ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية، ونقص توفرها بشكل مستدام..
بدون خطوات عملية لتنفيذ مشاريع زراعية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، ستبقى الجهود الحالية بعيدة عن تلبية احتياجات السوق المحلية..
وعليه، يتطلب النهوض بالقطاع الزراعي في ليبيا، الانتقال من مرحلة الاجتماعات والمبادرات النظرية، إلى مرحلة تنفيذ المشاريع على الأرض. وتوفير دعم حقيقي للمزارعين، واستصلاح الأراضي، وتشجيع الزراعة المستدامة واستخدام التقنيات الحديثة، وهي خطوات أساسية لضمان تحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الاقتصاد الوطني..
إن استمرارية الوضع الحالي دون تغيير ملموس، يُهدد بفقدان الثقة في قدرة الوزارة على تحقيق أهدافها..
قرارات بإعادة هيكلة المشاريع الزراعية
أصدر وزير الزراعة والثروة الحيوانية بحكومة الوحدة الوطنية المُكلَّف، قراراً يقضي بنقل تبعية “137” مشروعاً زراعيًا وحيوانيًا، إلى جهاز تنمية واستثمار المشاريع الزراعية والحيوانية، بما يشمل كافة أصولها وموظفيها..
هذا القرار رقم “434” لسنة 2023، يهدف حسب الوزارة، إلى تطوير القطاع الزراعي والحيواني في ليبيا، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز جودة الإنتاج، وتوفير فرص العمل، ورفع كفاءة المشاريع الزراعية والحيوانية..
تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز التعاون مع القطاع الخاص
وفي سياق متصل، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، خلال اجتماع مع قيادات وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، أهمية تفعيل المشاريع الزراعية بالتعاون مع القطاع الخاص، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي، متعهدًا بتوفير احتياجات جهاز الشرطة الزراعية لحماية الأراضي الزراعية..
وناقش الاجتماع خطط الوزارة لتوفير الأعلاف والأسمدة، ودعم المزارعين، حيث جرى الاتفاق على زيادة الكميات المخصصة من مادة “اليوريا”، لتغطية الاحتياجات المحلية..
الجنوب الليبي: سلُّ الغذاء المُهملة
ضمن المشاريع الزراعية الكبرى التي تشهد اهتمامًا خاصًا في الجنوب الليبي:-
مشروع “الدبوات” الزراعي، ومشروع “تهالة” الزراعي، ومشروع “الأريل” الزراعي، ومشروع “مكنوسة” الزراعي، ومشروع “برجوج” الزراعي، ومشروع “إيراون” الزراعي، ومشروع “اللود” الزراعي، ومشروع “الديسة” الزراعي..
تطوير القوانين وتنظيم المرتبات..
من جهة أخرى، تسلّم الوزير “القطراني” مشروع قانون جهاز الشرطة الزراعية، الذي سيُعرض على السلطة التشريعية لاعتماده، كما تابع خلال اجتماع آخر مع إدارة الشؤون الإدارية والمالية، جهود مطابقة البيانات المالية للعاملين بالوزارة، مؤكدًا ضرورة الإسراع في التسويات المالية بالتنسيق مع وزارة المالية..
استمرار الجهود لتعزيز الاستثمار
تأتي هذه الخطوات في إطار مساعي حكومة الوحدة الوطنية لتطوير القطاع الزراعي والحيواني، وجذب الاستثمارات، وتحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد..
الوزارة أكدت أن هذه الجهود ستنعكس إيجابًا على تحسين مستوى المعيشة، وتعزيز التنمية المستدامة في ليبيا..
دراسات وتحديات..
في دراسة حديثة، خلصت الباحثتان “د. إلهام جمعة بلعيد البقي، و أ.فتحية علي إمحمد اسبيقة”، إلى أن القطاع الزراعي في ليبيا يواجه العديد من التحديات الاقتصادية والفنية، التي تعيق تحقيق التقدم في هذا المجال..
وأبرزت الدراسة أن هذه التحديات تشمل:-
الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي تواجه القطاع الزراعي في ليبيا وسبل معالجتها..
حيث يعد القطاع الزراعي في ليبيا ركيزة أساسية في النشاط الاقتصادي الوطني، ويساهم في توفير السلع الزراعية للمواطنين، وتزويد القطاعات الأخرى، خاصة الصناعية، بالسلع الوسيطة والعمالة.. ومع ذلك، يعاني هذا القطاع من ضعف الأداء، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على واردات السلع الغذائية لتلبية الاحتياجات المحلية..
تهدف الدراسة إلى توضيح أبرز الصعوبات والتحديات الاقتصادية التي تواجه القطاع الزراعي في ليبيا، وتقييم حجم تلك الصعوبات، مع تقديم مقترحات لمعالجتها..
وأظهرت نتائج الدراسة أن القطاع الزراعي يعاني من مشاكل متعددة، منها:’
– محدودية الموارد الزراعية وسوء استغلالها..
– ضعف الاستثمارات، نتيجة لعدم استقرار الأوضاع الأمنية..
– مشاكل وصعوبات فنية، تشمل نقص البنية التحتية للبحوث الزراعية، وضعف المختبرات ومحطات التجارب، وقلة الكوادر المؤهلة من الباحثين والمدربين..
– ضعف البنية التحتية لقطاع التسويق الزراعي..
هذه التحديات أسفرت عن ضعف في القاعدة الإنتاجية للقطاع الزراعي..
– التوصيات:-
لمواجهة هذه المشكلات، ينبغي الآتي:-
– تبني سياسات واستراتيجيات فعّالة لمعالجة التحديات وتحقيق تنمية مستدامة..
– تحفيز المناخ الاستثماري لجذب الاستثمارات الزراعية، وتسريع عملية التنمية..
– بناء رأس مال بشري مؤهل، من خلال التدريب ورفع كفاءة الكوادر..
– تعزيز القدرة التنافسية الزراعية مع الدول الأخرى، مع الاستفادة من المزايا النسبية لدول الجوار، مثل “مصر والسودان”..
– تفعيل السوق العربية المشتركة، لتعزيز التعاون الزراعي، وتحقيق التكامل الإقليمي..
وتؤكد الدراسة على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة للتغلب على التحديات الحالية، بما يضمن تحقيق الأمن الغذائي، وتعزيز مساهمة القطاع الزراعي في الاقتصاد الوطني..