تقرير| محمد حرب – هدى الغيطاني
تتخذ بعض الطيور الجارحة كالصقور والنسور البرية من ليبيا مسارًا لهجرتها، فيما تعتبره أخرى موطنًا لها لطبيعتها التي تتناسب مع حياة هذه الطيور.
وتتجه الطيور الحرة من أوروبا حيث الشتاء القارس، مع حلول شهر سبتمبر إلى ليبيا وغيرها من الدول المحيطة لتعقب الطعام وللتزاوج في مناخ معتدل وتبقى في الدول ذات الطقس المعتدل حتى شهر نوفمبر، وخلال هذه الأشهر ينطلق موسم الصيادين “الرماكة”، الذين يسعون لجني الأموال الطائلة من هذه الحرفة أو الهواية، خاصة بعد سجلت السنوات الأخيرة ارتفاعا هائلا في أسعار الطيور المهاجرة، وتجاوز سعر أنواع بعضها 4 ملايين دينار، فيما يصل الحد الأدنى إلى نحو 80 ألف دينار، وذلك حسب المواصفات وأنواع الطيور.
ويمر فوق ليبيا العديد من أنواع الطيور المهاجرة أثناء قيامها برحلاتها حول العالم كل عام، حيث أفادت موسوعة الطيور البرية في ليبيا أنه تم رصد 354 نوع طير مائي ومغرد شوهدت في عدة مناطق هاجرت إليها لقضاء الشتاء فيها، يأتي ذلك على الرغم من عدم وجود عدد رسمي لأنواع الطيور التي تعبر من ليبيا أو تقضي الشتاء فيها.
هواية متوارثة
هذه الهواية تناقلتها الأجيال في ليبيا واحدًا تلو الآخر، حيث أن هناك أسر معينة نتنشر في مدن مختلفة في ليبيا تخصصت في الصيد وعلمت أبناءها مهاراته، حتى أصبح حرفة متوارثة، إذ كشفت وثائق تاريخية تعود للعهد العثماني الثاني عن وثيقة تتضمن طلب من قائم مقام مصراتة بشراء صقور لدى بعض المواطنين وإرسالها إلى دار الخلافة.
وعلى الرغم من أن “الرماكة” كانوا موجودين في ليبيا منذ سنوات طوال، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة أصبح الكثير من الليبيين يتخذون من هذه الهواية حرفة لهم، حتى وصل الأمر إلى “الصيد الجائر”.
ولتحقيق صيد ناجح يجب أن يتمتع “الرماك” بالقوة والصلابة والقدرة على اقتناص الفريسة، ويكون لديه الإمكانيات لتتبع الطيور والتنقل بحرية من مكان لآخر، إضافة إلى معرفة الصحراء والتحرك فيها بسيارات مناسبة.
وكان الأجداد الليبيين يصطادون الصقور من أجل لحوم الحباري والأرانب التي كانت تسد رمق نجع بأكمله، وكان اصطياد الصقور في موسم معين من السنة، ومن ثم يطلق سراحه، ولكن في السنوات الأخيرة من القرن الماضي قل تواجد الصقور والحباري في مقابل كثرة الصيادين الذين يستخدمونها للبيع والشراء والسمسرة فقط.
ويجري بيع الطيور داخل ليبيا وخارجها، حيث أن هناك أسواق كبيرة في بعض دول الخليج تعرض فيها صقور من إيران ومن مصر ومن بعض الدول الآسيوية والأفريقية والأوروبية الأخرى، ومن ليبيا التي تتميز صقورها بالقوة والصلابة والقدرة على اقتناص الفريسة الكبيرة مثل طائر(النغاق) و(الإوز) لذلك تحصل على الصدارة في تلك الأسواق.
رحلة الصيد
وتبدأ رحلة الصيد باقتناء أداته المسماة (اللفافة)، حيث كانت تصنع عيونها سابقا من سبيب الحصان لكنها أصبحت تصنع من خيوط سنارة صيد الأسماك، فيما تصنع اللفافة نفسها من خيوط الخرازة ويجدل هذا الخيط ويخصص مكان لأجنحة الطير والرقبة ويربط بها خيط يطلق عليه (المرس) يتراوح طوله من 10 إلى 20 متراً.
ويحتاج الصياد لتحقيق هدفه حمام و (لفايف) و (انقولة) وطائر (القشة) لعمل (الفكك) و (حريرة) وسيارة طاوية للصحراء خاصة بالصيد ووقود وخيمة وفأس وحاجيات ولوازم نستعملها تكفي لرحلة الصيد التي قد تستغرق عدة أسابيع.
وتنطلق رحلة الصيد إما بمحاذاة البحر أو في الرمل أو في الصحراء، وعند رؤية الصقر واقفاً على حافة تلال الرمل أو على حجرة أو على سلك كهرباء يتم إطلاق الحمامة التي بها اللفافة فتطير عاليا وعندما يراها الصقر وخاصة (الفرخ) يسقط عليها مباشرة.
ولا يوجد في الصحراء أي شيء يعلق به الطير (المرس) الحبل المربوط في (اللفافة) بل توجد رمال ناعمة فقط لذلك نقوم بتدريب طائر (القشة) أو طائر(البريمي) المسمى (فكك) حتى نطلقه عند الحاجة إليه، ونأتي بحمامة نضع عليها (لفافة) وهذه الحمامة نسميها (هددْ) وتكون هذه اللفافة دون (مرس) وعندما نرى الصقر أو الشاهين نطلق الحمامة وعندما يعلق بها الصقر ويحملها بين رجليه عندها نطلق (القشة أو البريمي (المسمى (فكك) حتى يقتفي تلك الحمامة فيسقط بها وهي عالقة بالصقر ويقوم الصياد بتخليص الصقر والسماح للقشة أو البريمي بالتهام الحمامة حتى لا يفقد المصداقية ويكون أكثر تعاوناً في المرات القادمة.
أما الصيد على الساحل فيكون بوضع حمامة في (لفافة) وتوضع على سفح جبل أو صخرة على شاطئ البحر ويأتي الصقر أو الشاهين ماراً ليجد تلك الحمامة أو غيرها من الحمائم فتعلق أرجله بعيون(اللفافة) ثم نمسكه، وقد نضطر إلى عمل (نقل) وهو وضع ريش داخل (لفافة) في رجلي طائر مثل(قشة) ونقوم بوضع كمامة على عينيها أو تخييط عينيها ونطلقها فيراها الصقر فيظن أنها تحمل طائراً آخر فينقض على الريش ويحصل هذا الصقر.
وعند الإمساك بالصقر يوضع عليه قماط لأنه يكون حاد الطباع عند الإمساك به وحركته القوية قد تؤدي إلى كسر إحدى ريشاته، وعند الوصول بالصقر للخيمة يتم رشه بالماء أو وضعه على الرمل لتهدئته.
أنواع وميزات الصقور
وتملك الصقور إحساس عالٍ جداً فإذا ضايقها أحد الجالسين تنظر إليه بنظرات حادة مقلقة وعندما تطلقه لاصطياد الحباري ولم يفلح في اقتناصها يحزن ولا يرجع إلى صاحبه مباشرة بل يقف بعيداً وكأنه يستحي منه لعدم مقدرته على اصطيادها وفي كثير من الأحيان لا يواصل مطاردته لها إذا فشل في قنصها بعد فترة وجيزة من طيرانه، وإذا امسك بها على الصياد أن يتركه يأكل منها فماً أو فمين.
وللصقر وزن معين إذا زاد أو نقص تصبح عملية اصطياده للطيور محفوفة بالفشل والوزن المعتاد والمناسب يتراوح بين 900 جرام إلى 1200 جرام ، فإذا قل وزنه عن هذا المعدل لا يستطيع اللحاق بالفريسة لضعفه وإذا زاد لا يستطيع لقوته وشعوره بعدم الرغبة للأكل.
وهناك أربعة أنواع للصقور هي: الصقر الحر، والشاهين الحر، والعراقي المهاجر والمقيم، والقرانيس أو القشوش، ويشمل الصقر الحر النداوي والحصاوي ، والشاهين الحر وتشمل شاهين بودور ، شاهين نوار فول ، شاهين حمر ، شاهين أشهب ، شاهين إخضاري ، شاهين أسود ، شاهين أبيض غرودي، أما العراقي ، فمنها العراقي المقيمة في ليبيا ويطلق عليها عراقي الجبل، والعراقي المهاجرة فتهاجر من الشمال إلى الجنوب ومن الجنوب إلى الشمال، أما القرانيس أو القشوش، لها تسميات متعددة مثل قشة بساط وهي من القرانيس المواطنة ، وقشة الشبردق وهي من القرانيس المهاجرة ومتعددة التسميات وكذلك قشة القور، وجميع هذه الأنواع أسعارها باهضة عند البيع والشراء.
الصيد الجائر
ويعد الصيد الجائر هو أكبر المخاطر التي تواجه الطيور في خط سير هجرتها عبر ليبيا، خصوصاً الصيد أثناء هجرة الربيع، إضافة الى تغير البيئة مثل قطع الأشجار والرعي الجائر وأيضاً الزارعة المكثفة ورش المبيدات التي تأثر على مصادر غذاء الطيور من حشرات وغيرها.
ويرى الصيادين في تصريحات للصباح أن هناك اتفاقيات دولية تمنع التجارة مثل اتفاقية التجارة الدولية المتعلقة بالأنواع الحيوانية والنباتية المتوحشة، والمعروفة اختصارا باتفاقية “سايتس”، واتفاق مجموعة الدول، لغرض التأكد من أن التجارة الدولية بعينات الحيوانات والنباتات البرية لا تهدد بقاء الأنواع التي تنتمي إليها، مشيرين إلى أن هذه الاتفاقيات تحمي من الصيد الجائر.
أما الدكتور المساعد بوفلقية فقال للصباح إن أنواع الصقور الشاهين والصقر الحر وما يندرج تحت منها ويوجد أنواع موجودة ومستوطنة في ليبيا وهناك أنواع تأتي عن طريق الهجرة وأغلب ماهو مطلوب عند الصيادين هو الشاهين التي تأتي عبر الهجرة في شهر 9 ورحلة العودة في شهر 4 وهي عليها طلب كبير وتشهد أسعار مرتفعة في السوق الليبية.
ما بين الصيد الجائر والرماكة الذين استخدموا الصيد كوسيلة للسمسرة والبيع والشراء، وبين هواية الصيد واحترام أصولها هوة شاسعة تتزايد كل يوم في ظل غياب وجود أي رادع قانوني يتابع الصيد الجائر.