الرعب النووي الثابت والسلام المزيف
بقلم: علي الدلالي
يمكن تلخيص بيان قمة الدول الـسبع الكبرى (G 7) التي عُقدت في هيروشيما (اليابان)، الجمعة الماضية لمدة ثلاثة أيام بأنه بيان حربي بامتياز يزيد من الضغط على روسيا ويوجه إنذارا صريحا إلى الصين، وهما أيضا قوتان نوويتان في نادي “الكبار” ما يؤجج الهواجس بجر العالم إلى الصدام النووي.
إن اختيار “السبع الكبار” (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة)، الذين استولوا على هذه التسمية من خلال نهب 98 في المائة من موارد وعرق “الصغار” رغم أنهم يمثلون 10 في المائة فقط من سكان الكوب (حوالي 700 مليون نسمة)، لم يكن من باب الصدفة خاصة وأن البيان الختامي لقمتهم كان يحمل استفزاز صريحا لـ “الكبيرين الآخرين”، روسيا والصين، ما يؤكد أن رمزية الرعب النووي للمدينة اليابانية هي الثابتة وليست تسمية السلام المزيف الذي أطلقوه عليها.
يُسجًل التاريخ أن الولايات المتحدة أفرغت حقدها على مدينة هيروشيما ومسحتها من فوق الأرض وجعلت منها أول مدينة في العالم تُلقى عليها قنبلة ذرية في 6 أغسطس عام 1945 رغم نهاية الحرب العالمية الثانية باستسلام ألمانيا في 7 مايو 1945 وتخليد يوم 8 مايو كيوم للنصر في أوروبا، وما تمديد مسرح عمليات المحيط الهادي من قبل الولايات المتحدة إلا للوصول إلى هيروشيما وناجازاكي ثأرا لعملية (زد – Z) المعروفة أيضا بالهجوم الياباني المباغت على الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر عام 1941 وتوقيع اليابان على وثائق الإستسلام رسميا في 2 سبتمبر1945.
تأسست مجموعة “السبع الكبار” في سبعينيات القرن الماضي كرد على صدمة النفط، وهي المرة الوحيدة واليتيمة التي تحركت فيها الدول النفطية العربية، ودفع ملك السعودية الراحل فيصل بن عبد العزيز حياته ثمنا لتلك الهبة التي هزت أمريكا بالدرجة الأولى ونبهتها إلى ضرورة تغيير سياساتها واستراتيجياتها بالكامل للهيمنة على كافة مصادر الطاقة في العالم بشتى الطرق والوسائل المتاحة.
عندما أطلقت روسيا حربها، أوعمليتها العسكرية الخاصة كما تسميها موسكو، ضد أوكرانيا، لم تكن الولايات المتحدة لتعبأ بالقتلى والجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين، وهي التي تقطر أيديها بدماء الملايين من الضحايا الأبرياء من فيتنام إلى أفغانستان مرورا بالعراق، ولا بالخراب الذي طال المدن والقرى الأوكرانية، وإنما كان جل اهتمامها منصبا على معالجة تأثير إمدادات الطاقة من روسيا ويبدو أنها كانت مستعدة لذلك قبل بدء هذه الحرب بسنوات، منذ صدمة النفط العالمية التي أشرنا إليها، حيث اتضح أن “احتمال موت الأوروبيين” من البرد بعد توقف امدادات النفط والغاز الروسي كان مجرد “تسويق للوهم” أدارته الآلة الإعلامية الأمريكية المرتبطة بالبيت الأبيض والبنتاغون ووكالة المخابرات الأمريكية (CIA)، واستمرت أوروبا في الحصول على احتياجاتها من الطاقة ولم تتوقف الصادرات الروسية، مثلما أدارت في السابق كذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.
لا شك أن الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة على مجموعة (جي 7)، فالشركاء إما من الدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية (ألمانيا واليابان وإيطاليا) وتخضع لشروط الملاحق السرية لوقف إطلاق النار في الحرب العالمية الثانية تحت تهديد الغبار الذري المنبعث من هيروشيما وناجازاكي، أو من المؤيدة للسياسات الأمريكية دون قيد أو شرط (بريطانيا)، وهذه الدول الأربع من بين “السبع الكبار” مزروعة بالقواعد العسكرية الأمريكية وبمخازن ومنصات إطلاق الرعب النووي، أو المرتبطة تاريخيا بالولايات المتحدة (كندا)، وتبقى فرنسا كاستثناء – مع أنها لم تعد فرنسا جورج بومبيدو ولا جاك شيراك وفقدت اليوم الكثير من استقلال قرارها عن فلك السياسة الأمريكية – إلا أن زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إلى الصين الشهر الماضي، والضجة التي أثارها في الغرب عندما قال في مقابلة تلفزيونية “إن على فرنسا أن تسعى جاهدة من أجل استقلال قراراتها الاستراتيجية وأن تقاوم السقوط تحت سيطرة الولايات المتحدة أو الصين”، قد تكون طرحت الكثير من التساؤلات ولكنها لن تُغير في واقع الهيمنة الأمريكية شيئا. فقد عارضت فرنسا الحرب الأمريكية على العراق في السابق ولم تتوقف أمريكا عن قتل العراقيين وتدمير العراق وإغراقه في الفوضى إلى اليوم.
إن اضطرار موسكو وبيكين إلى “تحالف المصالح”، وهما دولتان تبحثان عن مصالحهما على حساب “الصغار” شأنهما شأن “السبع الكبار”، لدرء التغول الأمريكي والسعي للبدء في بناء عالم متعدد الأقطاب قد يكون الأمل الوحيد لمنع الصدام النووي. فهل يتم ذلك عبر تحريك حروب تقليدية هنا وهناك تضمن لأمريكا استمرار الهيمنة في (جي 7) وقبول تقاسم ثروات العالم مع العملاقين الآخرين؟