من مقال للكاتبة والروائية: غادة السمان
حملت لي إحدى الصديقات الكويتيات عدداً من مجلة «البيان» الأدبية الشهرية الصادرة عن «رابطة الأدباء الكويتيين»، وقرأت اسم المشرف العام طلال سعد الرميضي، ورئيسة التحرير عائشة الفجري (وسرني أنها امرأة!) وسكرتير التحرير عدنان فرزات، والإخراج الفني محمد الخطيب، لكنني توقفت طويلاً أمام عبارة «التدقيق اللغوي: خليل السلامة.
نادرة هي المجلات العربية التي تحمل لقب «التدقيق اللغوي»، وهذا جميل، ولغتنا العربية تستحق منا الاحترام وتحاشي الخطأ قدر الإمكان، والإعلان عن وجود «المدقق اللغوي» أمر نادر في زمن تتكاثر فيه الأخطاء اللغوية كالجراثيم: المذيع ينصب نائب الفاعل، والسياسي ينصب الفاعل، والنصب على اللغة العربية مستمر. ومن الجميل حضور مدقق لغوي يذكرنا بأن لغتنا تستحق الاحترام والإتقان.
وتحية إلى «مجلة البيان» لأنني لم أقرأ في أي منبر عربي آخر اسم المدقق اللغوي جنباً إلى جنب مع اسم رئيس التحرير في الصفحة الأولى من المجلة. فكلنا يخطئ أحياناً، لكن وعينا بأن الخطأ إساءة للغتنا العربية يدفع بنا إلى محاولة واعية لتجنبه.
أما عن الأخطاء في أحاديث رجال السياسة وخطبهم، فسأتحدث عنها في مناسبة أخرى، فالحديث عنها يطول ويجرح. ولا أدري كيف يمكن لناطق باسم وطن ألا يتقن لغة ذلك الوطن على الأقل.
* ثمة إعلان عن عطر جديد من إحدى الشركات الفرنسية الشهيرة لصناعة العطور، ومعظم عطورها هي بحق جميلة.
لكن، لسبب ما، الإعلانات عنها في التلفزيونات الغربية رديئة جداً في نظري.
ففي عطر كان جديداً، سبق أن أصدرت شركة العطور ذاتها قبل أعوام إعلاناً عنه، وأغنية الإعلان هي للمغنية الأمريكية نانسي سيناترا، ابنة الشهير فرانك سيناترا. صوتها عادي وليس رديئاً، أما الأغنية التي تنشدها فرديئة في نظري، إذ تقول كلماتها: هذا الحذاء (الجزمة) صنع للمشي، وهذا ما سأفعله وسأمشي به فوقك.
لم أفهم لماذا تريد أن تمشي بحذائها فوق رجلها، ربما كانت لديها أسبابها الخاصة، ولكن لماذا تبنت شركة العطور الراقية الشهيرة هذه الأغنية لترافق الإعلان عن عطرها القديم كما الجديد؟ وهل تتوهم أن كل امرأة تتوق (للمشي) بحذائها فوق رجلها، وبالتالي ستتبنى هذا العطر؟ ومرت الأيام.. واليوم وقد أصدرت دار العطور الشهيرة هذه عطراً جديداً رائع الرائحة، أدهشني أن الإعلان عنه تضمن هذه الأغنية التي تتضمن تحقيراً وإهانة للرجل حين تتبناها شركة عطور!.. من طرفي، قررت مقاطعة هذا العطر الجميل احتراماً لإنسانية الرجل.
* قد يقول البعض إن الإعلانات لا تؤثر في أحد، ولكن ذلك ليس دقيقاً. ثمة إعلان عن سيارة مثلاً شاهدته قبل عقد من الزمن على الأقل ولا أستطيع نسيانه، يمثل شابة جميلة في مقهى تتأمل سيارة خلف النافذة توقفت على الرصيف أمامها، ولشدة إعجابها بها لم تنتبه إلى عنكبوت الرتيلاء السوداء المرعبة التي كانت تمشي على عنقها. من طرفي، نسيت اسم السيارة (وماركتها) التي دفعت الشركة آلاف الدولارات لنشر هذا الإعلان المتلفز على الشاشة عنها، وكل ما يتذكره المشاهد منه هو تلك الرتيلاء المرعبة على عنق الشابة حتى لينسى تماماً السيارة المعلن عنها. بعبارة أخرى، المبالغة في جذب المتفرج قد تنجح، لكنه ينسى الغرض من الإعلان… ويصير الإعلان ضحية لنجاحه! والمهم خلق التوازن بين اجتذاب المتفرج وموضوع الإعلان.
واستفزاز الأغنية التي تقوم بتحقير الرجل نجحت في جعلي أنسى العطر الذي تقوم بالترويج له.