منصة الصباح

الذبح على “مفاصله”

بقلم /محمود السوكني

مناسباتنا الاجتماعية أتراحاً كانت أو أفراحاً ، لا يُحمد في الغالب عقباها (!) إذ أنها تقصم الظهر و تفرغ الجيب و تثير المشاكل ، و لا ترضي الخلق الذين لا يرضيهم سوى الخالق وحده ، و لا أحد غيره .
و أصحاب المناسبة يتعمدون إظهار مقدار حفاوتهم بضيوفهم – معزيّن أو مُباركين – في إفراط واضح تجنباً للقيل و القال ، و أحاديث النميمة التي تجد رواجاً بين مختلف شرائح المجتمع ، و ذلك في سعي حثيث غير مجد لتكميم أفواههم و منعاً للتشنيع بهم وتلويك سيرتهم ، و هم يعلمون يقيناً أن كل محاولاتهم ستذهب سدى ، و لن تُجدي نفعا في إيقاف هذه العادة الذميمة التي جُبِلنا عليها ، ولا يحلو الميعاد بدونها !!
كلنا نقع في نفس المطب ، و لا نعتبر ، بل نعيد الكرّة صاغرين في أول مناسبة نتورط فيها ، أو نخطط لها ، واغلبنا يستدين لتغطية كماليات لا ضرورة لها ، و لكنها لزوم المظهر الاجتماعي ، و المحاكاة ، و اتباع ما هو (ماير) و متعارف عليه .
الغريب أننا جميعاً نتذمر و نشكو و نستهجن ، و نقع في نفس المطب بل نصر عليه ، دون أن نحسب النتائج الوخيمة المترتبة على هذا الفعل الساذج !
ولا يقتصر الضرر على أنفسنا ، بل يتعداه إلى إقلاق راحة الآخرين ، إذ يعمد أغلبنا إن لم يكن كلنا إلى إغلاق منافذ الشارع أو الزقاق الذي يسكنه ، و يضع المتاريس و المطبات على طول الطريق المؤدي إلى موقع المناسبة ، و نسرق متعمدين الإنارة بغير وجه حق من كوابل العامة ، و بدون مقابل ، أو إذن من الجهة المختصة ، ناهيك عن مكبرات الصوت التي تلعلع في الأفراح طبعا ، بتلك الأصوات النشاز التي تصم الآذان بكلمات بذيئة يحاسب عليها القانون ، فيما ينبري البعض إلى إطلاق الأعيرة النارية في غير الغرض الذي صرفت من أجله !
هل نتحدث عن الموائد العامرة التي يجثم فوق صحونها قدر يسير من الثروة الحيوانية ، و كيف يتم تبديدها و الإسراف في تقديمها ، إظهاراً لكرم الضيافة حتى و إن تجاوز تكاليفها قدرات أصحاب المناسبة !
لماذا نصر على هذا البذخ الكاذب ؟! ألا يوجد بيننا من ينهي هذا الوضع المتأزم ، و يشرّع تقليداً حكيماً نحتكم إليه ، و نتعاهد على اتباعه ، و نلتزم بضوابطه ؟!
في إحدى مناطق وطننا الحبيب ، قبيلة تلتئم عن بكرة أبيها و لا يغيب أحد منها، عند أي فرد لديه مناب أو فقد عزيز من أفراد أسرته ، تتغدى و تتعشي و بعضها يحلو له المقام فينام أيضا ، و يستمر هذا الاستنزاف دون تحديد تاريخ لنهايته، حتى (ينعم) الله سبحانه بمصاب لدى فرد آخر من ذات القبيلة ، لكي ينتقل الجمع الكريم إلى دياره ، و هكذا دواليك ! هل يلام المتضرر إذا مادعى الله سرّاً بأن يُعجِّل و يأذن في ذلك حتى ينفض الجمع ، و تنفرج الغمة ؟!
قد يقول قائل إن هذا يخالف تقاليد الضيافة و يجافي العادات والاعراف التي تربينا عليها ، و أوصينا بالتمسك بها ، و عدم التفريط فيها !
و هذا القول مردود عليه ، فليس من الضيافة في شيء أن استدين لإسعادك ، أو أن أبذر مدخراتي لإطعام من هو قادر على إطعام نفسه و أهله و يزيد !!
و لا تجبرنا العادات و لا التقاليد على الإسراف و التبذير و محاكاة الغير في مظاهر كاذبة مخادعة نتيجتها قد تصل إلى خراب البيوت و تفاقم المشاكل التي لا نهاية لها !

شاهد أيضاً

بلدية زوارة تناقش حماية التراث وتسهيل الحركة وسط تحديات المهاجرين

بلدية زوارة تناقش حماية التراث وتسهيل الحركة وسط تحديات المهاجرين

احتضنت بلدية زوارة أمس اجتماعا موسعا ضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية لمناقشة تحديات المهاجرين غير …