الذئب الجريح
زكريا العنقودي
كان جدي مصطفى ناصرياً بأمتياز قبل حتى أن يوجد جمال عبد الناصر اصلا .
و بالكاد يلتمس خطواته الأولى عندما هجم غرتسياني عشرينات القرن الماضي على مدينة مسلاتة، لربما كان حينها اصغر طفل في تلك الجلوة وخروجه بأعجوبة من هول القصف .. حدث بعدها الكثير عارك الدنيا وعانى الأمرين .
جدي صاحب مقولة كلب احمر كلب اصفر كلب ابيض كلهم كلاب، تعليقا على فرح الليبيين بما روجت له بريطانيا حينها بكونها هي من حررت ليبيا من الفاشيست ..
جدي مصطفى كان عروبياً عتيداً مع أنه لم يقرا يوما كتابات قسطنطين زريق ولا ساطع الحصري ولا ميشيل عفلق وكان ناصريا كما اسلفت، لذا حتى حين كسر ظهر كل المثقفين العرب بعد النكسة عام 67 لم ينحني و ظل متسلحا بشموخ النخيل ، وفياً لأحلامه متاكداً من عودة النور لامته التي غزاها الظلام .
لذلك بعد انقلاب الضباط الاحرار بليبيا في 69 كان أول من خرج للشوارع وهتف لهم، لم يكن من هم له سوى خروج الانجليز و(الميركان) كما يسميهم ..
كنانحتفل معه ونحن صغارا ويأخد بيدي انا واخي لنتابع الاحتفال والعرض العسكري كل سبتمر 1 /9 في اول السبعينات
لم نعي آنذاك ماطرأ على تفكيره ولم نفهم لماذا تغير جدي ولم نعد نحتفل، بعد خطاب زوارة 1973 الذي وضع البلد في (فريز) لأربعة عقود .
أنسحب جدي بعيداً كذئب جريح كارها عبد الناصر و الفاتح و القدافي، انزوى بنفسه بعيداً عن جوقة المتزلفين رافضا كل النسخ المزيفة، التي تبخرت معها امنياته كما تتبخر الأحلام .