منصة الصباح
الدينار بين التزوير والإصلاح المحفوف بالمخاطر

الدينار بين التزوير والإصلاح المحفوف بالمخاطر

تقرير/ أية زايد

لم يكن البيان الذي أصدره مصرف ليبيا المركزي يوم أمس الثلاثاء، بتأكيده وجود مليارات الدينارات داخل البلاد، تمت طباعتها وتداولها خارج القنوات الرسمية المعتادة والقانونية عبر مصرف ليبيا المركزي..

فتضخم السوق الموازي للعملة الصعبة خلال السنوات الأخيرة، والقدرة على امتصاص الكميات الكبيرة من العملات الأجنبية خاصة الدولار، والظهور المفاجيء لطبقة من الأثرياء، وعمليات التهريب المضبوطة بالمنافذ، كلها تؤكد أن هناك خللاً بيناً في وفرة النقود..

وجاء بيان المصرف ليشخص الورم، ولكن حتى الآن لم يبين مكانه بالتحديد، ما يثير تساؤلات حول التتبع والمحاسبة لمن ساهموا في هذا الفعل، الذي يهدف إلى تدمير اقتصاد البلاد، والقضاء على ما تبقى من قوة لعملتها..

وأقرَّ المصرف في بيانه، أن إجمالي الفئات النقدية المختلفة التي تم سحبها من التداول بلغ نحو سبعة وأربعين مليار دينار، منها قرابة عشرة مليارات دينار لم تُصدر عن المصرف المركزي وغير معلومة له، الأمر الذي ساهم في زيادة الطلب على العملات الأجنبية بمستويات كبيرة في السوق الموازية، وضاعف من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب..

وأثار بيان المركزي جدلاً واسعاً وتحليلات متباينة بين الخبراء الاقتصاديين، حيث اتفقوا على خطورة الأمر، ولكن اختلفوا في تقييم توقيته والحلول المقترحة..

توقيت متأخر وبيان منقوص..

ترى الصحفية المختصة بالشأن الاقتصادي “سوزان عاشور”، أن توقيت صدور البيان “متأخر”، ويعيد الحديث عن الطباعة غير القانونية كحدث جديد، بينما جذور الأزمة تعود لسنوات..

وانتقدت “عاشور” البيان، لافتقاده خطة معالجة واضحة، حيث اكتفى بعرض الفارق الرقمي، دون ذكر “إجراءات تصحيحية أو قانونية لملاحقة المسؤولين أو احتواء آثار الأزمة.”..

الحل في السياسات لا البيانات

وأكدت أن أزمة السيولة تتطلب “سياسات نقدية فعالة، وتفعيل أدوات السوق، وشفافية في التواصل بين المركزي والمصارف، وتنسيق مع وزارة المالية”، مشددة على ضرورة وجود إرادة سياسية حقيقية لإعادة الثقة..

عدم وضوح وهلع السوق

ويرى الخبير “محمد الشحاتي”. أن بيان المركزي غير واضح، ويثير المزيد من التعقيد، مبيناً أن المبلغ (10 مليارات دينار، أو ما يعادل 1.6 مليار دولار) “ليس كبيرًا” ليخلق نشاطًا مضاربيًا لا يمكن احتواؤه، لكن “بيان المركزي أثار حالة من الهلع في السوق” أدت إلى ارتفاع السوق الموازي..

صعوبة المعالجة

وحذر “الشحاتي” من أن الفترة القادمة ستكون صعبة، حيث سيحتاج المركزي إلى تشديد السياسات النقدية، ولكنه محروم من استخدام “أدوات السياسة النقدية الفعالة”، مثل سعر الفائدة.. كما يبدو أن الأرصدة المصرفية تُستغل لتسهيل عمليات حصول المضاربين على الكاش بعد “غسلها” بقبول المركزي لها..

العملة المزورة وأزمة الثقة..

ويرى أحد متابعي الشأن الاقتصادي، أن استلام المركزي لقرابة “10” مليارات دينار لم يصدرها، بأنها تعني أن “هناك جهة أو شخص خلق 10 مليار دينار من العدم”، وسيكون لها مفعول النقود المزورة، مشيراً إلى أن المركزي استسلم للأمر الواقع، وتحمل تبعات هذه الجريمة، في خطوة جريئة لاحتواء آثارها، للمحافظة على الدينار الليبي..

أزمة متجذرة وعلاج صعب..

وياتي بيان المركزي تأكيداً لكارثة اقتصادية ذات جذور عميقة. وبينما يُلزم المركزي نفسه باتخاذ إجراءات قانونية، ترى التحليلات الاقتصادية أن البيان جاء متأخراً وتنقصه خطة علاجية واضحة للسياسات النقدية. ويُحذر الخبراء من أن هذه الأزمة، التي تعادل 21% من الأوراق النقدية المسحوبة وتتصرف كعملة مزورة، تهدد بانهيار الثقة وتتطلب إرادة سياسية وإصلاحات نقدية جذرية تتجاوز مجرد البيانات الإعلامية لمواجهة التضخم وضبط السيولة في السوق..

تحديات ومخاوف..

منذ تولي محافظ المصرف المركزي الجديد “ناجي عيسى” وفريقه إدارة المصرف، حدثت تغيرات إيجابية كبيرة في إدارة المصرف المركزي ، ما انعكس ايجاباً على الوضع المالي للبلاد، وأهم إنجازات الإدارة الجديدة وليس آخرها، منظومة “راتبك لحظي”..

إلا أن الأوضاع السياسية والأمنية داخل البلاد، سيكون لها تأثيراً مباشراً، ما يجعل إدارة المركزي بين مطرقة سندان الإصلاح ومطرقة الضغوط الأمنية والسياسية، وهو أمر يتطلب دعماً شعبياً مستمراً، رغم الجراحات المؤلمة التي يتطلبها العلاج..

شاهد أيضاً

طارق القزيري

العدالة المؤلمة: حين يُنازع المبدأ الغريزة !

“قراءة في فيلم جسر الجواسيس”* طارق القزيري هل تستطيع دولة أن تظل دولة قانون عندما …