بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
زادت قوات الاحتلال الإسرائيلي من وتيرة فظائعها وإرهابها في قطاع غزة حيث تمددت قوائم الشهداء والمصابين والمفقودين والنازحين بعد أمر محكمة العدل الدولية إلى الكيان الإسرائيلي باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، ورفضها في حكمها الصادر في الـ 26 من يناير الماضي، طلب الدولة العبرية برفض الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا، ما يعني وضع هذا الكيان النازي في قفص الاتهام.
تصرف الكيان الإسرائيلي منذ العام 1948 كدولة مارقة وفوق القانون مسنودة بسلاح (الفيتو) الأمريكي والدول الغربية عموما التي تدعمه اليوم دون قيد أو شرط وهي التي قمعت اليهود في كل العصور وقتلتهم وأذلتهم وهمشتهم، ويُمكن أن نقرأ هذا التحول في استراتيجيات الغرب تحديدا إما في الحقد التاريخي ضد العرب والمسلمين، أو في قرارات غير معلنة للتخلص من اليهود وتأثيرهم في المجتمعات الغربية، أو في الخوف من بطش الموساد، الذراع الإرهابية للكيان.
ودفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ قرار محكمة العدل الدولية بأعداد كبيرة من الغزاويين إلى منطقة رفح على الحدود المصرية محدثة أكبر اكتظاظ سكاني في العالم يُقدر بـ 1.5 مليون شخص، في رقعة محدودة جدا من الأرض، يفترشون التراب وينصبون خياما من القش على الأرصفة وفي الأزقة في طقس شديد البرودة وفي موسم الأمطار، ويتشاركون حتى المساحات الضيقة بين القبور في مقابر رفح، وسط تصريحات علنية صادرة عن مسؤولين في الحكومة اليمينية المتطرفة للكيان الإسرائيلي، بينهم وزير الحرب يوآف غالانت، الذي أعلن عن تجهيز حملة عسكرية واسعة في رفح، وتأكيد الوزير المتطرف بتسلئيل سموتريتش على أن السماح بدخول المساعدات إلى غزة يتعارض مع أهداف الحملة الإسرائيلية، ودعوة الوزيرين الإسرائيليين بيني غانتس وغادي آيزنكوت إلى الحد من المساعدات الإنسانية، وهي تصريحات شجعت آلاف الإسرائيليين على غلق الطرق لمنع شاحنات المساعدات من العبور إلى قطاع غزة في تحرك يتماهى مع تلك التصريحات للإمعان في سياسة التجويع بقصد الإبادة الجماعية.
دأب الكيان الإسرائيلي على الدوس على مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وكافة المنظمات الدولية، ولم يلتفت إليها المسؤولون الصهاينة وشنوا الحروب المدمرة على الشعب الفلسطيني وأقاموا جدران الفصل العنصري وعشرات المعتقلات وتنكروا لكل التعهدات.
كانت الولايات المتحدة جاهزة في كل مرة لتعطيل المنظومة الدولية وقوانينها الإنسانية والأخلاقية لتوفير الحماية للإسرائيليين، وهبت في حرب غزة بكل قوة للدفاع عن الكيان ومده بكافة أنواع الأسلحة والقنابل التي دمرت القطاع وسوته بالأرض، وقتلت حتى اليوم زهاء 30 ألف فلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء، وتسببت في إصابة حوالي 70 ألف شخص إلى جانب دفع 80 في المائة من سكان غزة البالغ عددهم 2.4 ملايين نسمة إلى طرق النزوح والضياع كمقدمة لتهجيرهم وعودة الاستيطان.
وبالفعل لم تترك واشنطن قوات الاحتلال المدججة بكافة أنواع الأسلحة وأحدثها منها أسلحة الدمار الشامل لتواجه بمفردها فصائل المقاومة الفلسطينية بأسلحتهم البدائية البسيطة، ولن تتخلى اليوم عن الدولة العبرية في مواجهة محكمة العدل الدولية وأحكامها الإلزامية وستعترضها في نهاية المطاف بسلاح (الفيتو) في مجلس الأمن.
وكرر مسؤولون أمريكيون بعد قرار محكمة العدل الدولية بمنع ومعاقبة جرائم الإبادة الجماعية التأكيد على أن الولايات المتحدة تعتقد أن اتهامات الإبادة الجماعية لا أساس لها في الوقت الذي ركز فيه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، في كل تصريحاته تقريبا، آخرها مساء الثلاثاء في الدوحة، على عملية السابع من أكتوبر التي نفذتها المقاومة الفلسطينية وكأن المواجهات بين دولة الاحتلال والفلسطينيين بدأت ذلك اليوم لتسويق “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، متجاهلا إخضاع قطاع غزة لحصار قاتل منذ 17 عاما وشن قوات الاحتلال لخمسة حروب على القطاع، والإستمرار في زرع المستعمرات في الضفة الغربية واقتحام مدنها واعتقال الآلاف من الفلسطينيين وتسليح المستوطنين.
مجددا لا يمكن اعتبار الولايات المتحدة إلا شريكا مباشرا في الحرب على الفلسطينيين من خلال استمرار تزويد قوات الاحتلال بالسلاح ودعم كافة جرائمها المنقولة على الهواء قبل وبعد صدور حكم محكمة العدل الدولية.