لقاء: سعاد الفرجاني
في عالم المال الذي لا يهدأ، تدور معركة خفية بين ورقتين من العملة الأقوى في العالم: الدولار الأمريكي. معركة لا تخضع لقرارات سياسية أو مصرفية، بل تحكمها الثقة والتقنية. فمنذ توقّف المصارف الليبية عن توزيع الدولار النقدي، بات الحصول عليه حكرًا على البطاقات المصرفية أو السوق الموازية، حيث يفرض “الدولار الأزرق” الجديد سطوته على الطبعات القديمة المعروفة بـ”البيضاء”.

الخبير المصرفي عمران الشائبي يوضح في حديثه لـ”الصباح” أن الفارق الجوهري بين الطبعتين يكمن في الأمان، فـ”الأزرق” – طبعة 2013 وما بعدها – يتميز بشريط أمني ثلاثي الأبعاد وجرس متغير اللون يجعل كشف التزوير أسرع وآليًا عبر أجهزة العدّ. أما الطبعة القديمة فتعتمد على الفحص اليدوي للعلامات الكلاسيكية، مما يزيد من المخاطر التشغيلية واحتمالات التزييف.
إدارة المخاطر
يؤكد الشائبي أن الحكومة الأمريكية لم تُلغِ أي طبعة من الدولار، فجميعها قانونية وصالحة للتداول. لكن المؤسسات المالية تتعامل بواقعية؛ إذ يحق لها رفض أي أوراق تراها عالية المخاطر، خصوصًا تلك التي يصعب التحقق من سلامتها. ومن هنا، نشأت سياسات غير رسمية تميل إلى تفضيل “الأزرق” لأسباب أمنية بحتة.
خرائط الرفض
هذه الظاهرة لا تقتصر على ليبيا، بل تمتد إلى دول عدة في آسيا مثل تايلاند وأذربيجان وقرغيزستان، إضافة إلى تركيا ومصر ولبنان، حيث يُلاحظ تراجع قبول الطبعات القديمة.
وفي كينيا، غالبًا ما تُرفض الأوراق المطبوعة قبل عام 2009، فيما فرضت روسيا رسوماً على استبدالها بسبب العقوبات وتكدّس الأوراق القديمة. السبب المشترك – كما يرى الشائبي – هو الخوف من التزوير وصعوبة التحقق، ما جعل الثقة اليوم تُبنى على التكنولوجيا لا على التاريخ.
فجوة التداول
لا فرق رسمي في السعر بين الطبعتين داخل البنوك المركزية، لكن في السوق الموازية يختلف الأمر، إذ يفرض بعض الصرافين سعراً أدنى للأوراق البيضاء أو عمولة إضافية لاستبدالها، تعويضاً عن مخاطر تصريفها لاحقًا. وهكذا أصبحت الفجوة بين الورقتين مسألة ثقة وليست قانون.

هيمنة التقنية
يعتبر الشائبي أن الثورة التقنية غيرت معايير التعامل المالي. فالمزايا الأمنية الحديثة جعلت التزييف شبه مستحيل، وسهّلت عمليات التحقق بسرعة، مما عزز تفضيل الطبعات الجديدة في البنوك والأسواق. هذا التحول، كما يقول، يقود إلى اندثار الطبعات القديمة تدريجيًا من المشهد النقدي العالمي.
وعي نقدي
وفي ختام حديثه، ينصح الشائبي المواطنين بطلب الطبعة الزرقاء عند شراء الدولار، والانتباه إلى نظافة الورقة وخلوها من العلامات أو الكتابات، وتجنب الفئات الكبيرة في الأسواق، مع التعامل قدر الإمكان عبر المؤسسات الرسمية وشركات الصرافة الكبرى.
الرحيل الهادئ
ويرى الشائبي أن الطبعات القديمة لن تُلغى قانونيًا، لكنها ستختفي تدريجيًا بفعل السوق لا القرار، مع تآكلها وسحبها من التداول، لتصبح جزءًا من ذاكرة النقد الأمريكي. فالعصر الجديد – كما يختم – صار يُدار بالثقة الرقمية، لا بالورق وحده.
منصة الصباح الصباح، منصة إخبارية رقمية