منصة الصباح
د. مجدي الشارف الشبعاني

ثماني سنوات على مشروع الدستور الليبي بين التعطيل والتجاوز

“ما أُنجز من الشعب لا يُلغى إلا بالشعب”

د. مجدي الشارف الشبعاني

أستاذ القانون العام – الأكاديمية الليبية

عضو المجلس العلمي بمركز الدراسات والبحوث الجنائية

في مثل هذا اليوم من عام 2017، أنهت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي أعمالها، بإقرار مشروع الدستور بواقع 43 صوتًا من أصل 44 عضوًا حضروا جلسة التصويت في مدينة البيضاء، بعد مسار طويل من الخلافات والمقاطعة والتعديل والشد والجذب السياسي. ثماني سنوات مضت منذ ذلك اليوم، ولا يزال المشروع الدستوري يراوح مكانه، بين محاولات الإزاحة والتعديل والتجميد، مما يطرح سؤالًا جوهريًا: هل تأخر الاستحقاق الدستوري أم أُجهض عمدًا؟

أولاً: شرعية الإنجاز ومأزق الإحالة

وفق الإعلان الدستوري وتعديلاته، فإن الهيئة التأسيسية المنتخبة مباشرة من الشعب هي الجهة الوحيدة المخولة بصياغة مشروع الدستور، وقد مارست اختصاصها الكامل وفق التعديل السابع للإعلان الدستوري الصادر في مارس 2014، والذي أعطاها أجلًا أقصاه 18 شهرًا، جرى تمديده لاحقًا.

في يوليو 2017، أعلنت الهيئة انتهاء أعمالها رسمياً، وسلمت مشروع الدستور إلى مجلس النواب لإجراء الاستفتاء، إلا أن الخطوة التنفيذية لم تُستكمل، ما أدى إلى تجميد المسار برمته ودخول البلاد في مسارات بديلة متعارضة، مثل اتفاق باريس، ومسار برلين، وخارطة طريق ملتقى الحوار السياسي.

ثانيًا: من الإهمال التشريعي إلى الإقصاء السياسي

رغم صدور قانون الاستفتاء رقم 6 لسنة 2018 من مجلس النواب، فإن هذا الأخير لم يستكمل متطلبات التنفيذ، لا من حيث الترتيبات الأمنية ولا التشريعية ولا حتى التمويل. وعلى خلاف روح الديمقراطية، جرى لاحقًا استبعاد مشروع الدستور من كافة خارطات الطريق السياسية، بما في ذلك خارطة ملتقى الحوار الليبي (LPDF)، التي اختارت لجنة بديلة سُمّيت “اللجنة القانونية”، وطرحت “قاعدة دستورية مؤقتة” تجاوزت بذلك إرادة الناخب الليبي ومخرجات هيئة منتخبة.

ثالثًا: موقف المجتمع الدولي بين الإشادة والتجاوز

المفارقة أن أطرافًا دولية وُثّقت في بيانات أممية متكررة كانت قد رحّبت عام 2017 بإنجاز الهيئة التأسيسية ودعت إلى استكمال المسار الدستوري بالاستفتاء، لكن ذات الأطراف (وعلى رأسها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا) مالت لاحقًا إلى تبني مسارات تفاوضية بديلة، أعادت إنتاج النزاع بدلًا من حله، وتجاهلت المطلب الدستوري.

رابعًا: العوائق الموضوعية والسياسية والدروس المعتبرة.

المشروع الدستوري، رغم ما فيه من مواد توافقية ومقترحات للامركزية وتنظيم السلطة القضائية، لا يخلو من مثالب فنية وأخرى سياسية، مثل الجدل حول العاصمة، توزيع الثروات، وصلاحيات رئيس الدولة، ما جعله عرضة لحملات من بعض الأطراف التي رأت فيه تهديدًا لنفوذها السياسي أو مصالحها الجهوية.

غير أن هذه المثالب لا تُبطل المبدأ الدستوري الذي يقول: “ما أُنجز من الشعب لا يُلغى إلا بالشعب”. والحل الدستوري الطبيعي هو عرض المشروع على الاستفتاء الشعبي، مع فتح الباب لتعديله لاحقًا إذا رفضه الشعب، أو لتطويره إذا تم إقراره.

مرور ثماني سنوات دون استفتاء يطرح أسئلة عميقة حول جدية النخب الحاكمة، وقابلية المسارات الدولية للانحراف عن قواعد السيادة، واستعداد الليبيين للدفاع عن خياراتهم الديمقراطية. ولعل الدرس الأهم هو أن تجاوز الوثيقة الدستورية المؤسِّسة، دون بديل مشروع، لا يخلق حلاً بل يؤسس للفوضى والازدواجية.

وفي الختام

آن الأوان لأن يُعاد الاعتبار إلى الاستحقاق الدستوري، إما عبر استفتاء شعبي مباشر على مشروع 2017، أو عبر وضع مسار تأسيسي جديد لا يُقصي ما سبق ولا يفرض حلولًا نُخبوية دون إرادة الناخب الليبي.

ويبقى المبدأ الجامع:

لا انتخابات شرعية دون قاعدة دستورية، ولا قاعدة دستورية دون مشروعية تأسيسية

شاهد أيضاً

جمعة بوكليب

النصيب والمكتوب

جمعة بوكليب زايد…ناقص النصيبُ، يقول أهل اللغة، هو الحظُّ من كل شيء، وجمعُه أنصبة. ويُعرّفون …