منصة الصباح
جمعة بوكليب
جمعة بوكليب

الخاطر وما يهواه

الخاطر وما يهواه

جمعة بوكليب

” تمشي الرِجِلْ وين ما يحب الخاطر”، هذا ما يؤكده، عن سابق خبرة وتجربة، مثل شعبي ليبي قديم. وخاطري مؤخراً لم يعد يهفو إلى زيارة منطقة “بيز واتر- Bayswater” ” في لندن. العادة جرت، أن المرء منّا لا يقصد زيارة مكان لا يحبّه، أو ليس لديه فيه أصدقاء وخلاّن وأحباب، ما لم يكن مضطراً. وأنا حالياً لم أعد كالسابق حريصاً على زيارة تلك المنطقة، منذ أن أغلقت مكتبة الساقي أبوابها، وأُسدلَ بذلك الستار نهائياً عن مرحلة في تاريخ لندن العربية. بل، في الواقع، صرت أتفادى زيارتها، حتى وإن قادتني الظروف إلى زيارة منطقة في الجوار، وعلى بعد مرمى حصاة منها. المنطقة المذكورة، تقع في جهة خلفية من حديقة هايد بارك المعروفة، وعلى مسافة قريبة من شارع العرب ” ادجوار روود-Edgware Road .” ووجود مكتبة الساقي هو الذي دلني عليها وأوقعني في علاقة معها. أي أن حرصي على زيارة المكتبة، في سنوات سابقة، هو من قادني إلى بيز واتر وليس العكس. حين أقمت في مدينة برايتون، كنت أحرص على زيارتها، كلما زرت لندن. وحين انتقلت إلى مدينة ريدينج ظللت حريصاً على أداء واجب الزيارة. واقامتي في لندن، جعلتني أزورها بشكل منتظم، مرة كل اسبوعين تقريباً، ونشأت آواصر ود وصداقة بيني وبين العاملين بها.

في السنوات السابقة، كانت منطقة بيز واتر مختلفة. إلى جانب مكتبة الساقي، كان يتوفر بها ديوان الكوفة التابع للمكتبة، وكان ملتقى الكتاب والأدباء العرب، سواء من المقيمين بلندن أو الزائرين لها من باقي المدن البريطانية أو من الخارج. كما كان يتوفر بالمنطقة، وقريبا من المكتبة، العديد من المحلات والأكشاك التي تبيع الصحف والمجلات العربية. وكنت لدى زيارتي لمكتبة الساقي، أتوقف عند تلك الاكشاك والمحلات، واقتني حاجتي من الصحف، وخاصة المصرية واللبنانية، والمجلات الثقافية والأدبية وغيرها. ومؤخراً، وقبل أن تغلق مكتبة الساقي أبوابها، بيع مقر ديوان الكوفة، وبعدها مباشرة انتقلت ملكية تلك المحلات والاكشاك إلى تجار آخرين، حولوها إلى محلات بيع وشراء العملات الأجنبية، أو إلى مطاعم كباب، و محال تجارية سياحية، تمتليء بمصنوعات وملابس وأشياء لا تثير انتباهي، صُنعت في الصين بأبخس الأثمان، وتباع في تلك المحلات إلى السائحين، بأسعار أغلى من “بندقة علي العبد” كما نردد شعبياً.

وأعترف أن اضطرار مكتبة الساقي إلى الاغلاق، بسبب الضائقة المالية التي تعرض لها أصحابها، نتيجة الاقفال العام المفروض لأكثر من سنتين، بسبب أزمة انتشار الفيروس “كورونا”، كان بمثابة القشّة التي قسمت ظهر البعير. فالمكتبة كانت متميّزة جداً، وعامرة بالكتب في مختلف مجالات المعرفة، وفي رأيي الشخصي، تُعدُّ واحدة من أهم المكتبات، ليس في لندن فحسب، بل في البلدان العربية. وما تطلبه من كتب تجده فيها، خاصة في مجال الادب مثل الرواية والشعر والقصة والنقد، ومن مختلف البلدان العربية. بل أحياناً، تتوفر بها كتب لا تتوفر في مكتبات في البلدان التي صدرت بها، لأسباب تكاد تكون معروفة للجميع. أضف إلى ذلك، أنها كانت ملتقى للكتاب والمثقفين العرب. وشخصياً صادفت الكثير منهم هناك، وتعرّفت عليهم. واغلاقها نهائياً، أصابني باحباط شديد، وحرمني من رؤية أصدقاء كنت أسعد بلقياهم، والحديث معهم. والأسوأ من ذلك أن تتحول تلك المكتبة الزاهرة الجميلة الأنيقة بعد الاغلاق إلى مطعم كباب آخر، يضاف إلى سلسلة طويلة تزداد طولاً وعدداً كل يوم، في مختلف أنحاء لندن!

شاهد أيضاً

نهج صارم تتبعه الصين تجاه الأطفال

  دراسة بريطانية جديدة تكشف عن فوائد واعدة للنهج الصارم الذي تتبعه الصين للحد من …