منصة الصباح

الحَالُ وأحْوَالُه

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

يقولُ مثلٌ شعبي:” لا جيتْ تنشدْ عالحال، الوجه يعطي لا ماير.” وكلمة “لاماير” في اللهجة الليبية المحكية جمع، ومفردها أمَارَة، أي علامة. والمعنى، أن وجه المرء يُفصح عن حاله.

ويُعرّف النُحّاة الحالَ بأنه ” وصفٌ منصوبٌ يؤتى به لبيان حالة الموصوف.” وما لا يعرفه النُحّاةُ، أو، على الأقل، لا يبدون نحوه مبالاة ترفعاً، هو أن وضعيةَ الحالِ في الواقع لا تشبه وضعيته نَحوياً. فهو واقعياً يُرفع في كل الأوقات، ليس فقط بالضمة، بل بعديد من المصائب. ويُجرُّ في كل الأوقات، ليس فقط بالكسرة، بل أيضاً بعديد من الكوارث. وعادةً، فإن الرفعَ والجرَّ في الواقع الحياتي تأتي نتيجة أشياء كثيرة، وفي أغلب الأحيان،لا يملك المرءُ حيالها شيئاً، ولا يستطيع تغييرها. ومنها،على سبيل المثال، طبيعة الزمن المعاش، وما يدور في مداراته وحناياه من حوادث. وهناك، أيضاً، مسألة حال الدنيا التي نموت ونحيا فيها كل يوم. والأهمُّ من ذلك، أحوالُ أهلها وتقلباتهم.

فنحنُ، مثلاً، نعرفُ على وجه الدقة، أنّ الحالَ في أوكرانيا ليس على ما يرام. لذلك، لا يمكن أن يكون منصوباً بالفتحة، حتى لو نهض المرحوم سيبويه من قبره. والسبب،لأن الوضعَ المتفجرَ، في تلك البلاد، يجعلُ الحالَ في حالة جرّ ورفع دائمتين.  ونعرفُ كذلك أن الحالَ، في بلادنا، قد أدار بظهره إلى وضعية النصب منذ سنوات عديدة، إلى ما هو اسوأ. لكنّه،  وبلطف من الله، مازال أفضل بكثير من وضعية نظيره في المدن الأوكرانية، ولله الحمد. وتلك حكمة الله في خلقه، وفي تقلبات أحوالهم. وكما توجد جنّةٌ ونار في الدار الآخرة، فكذلك الحال في هذه الدار الدنيا الفانية. أناسٌ في نعيم، وآخرون في جحيم. وليس من الصعب معرفة ذلك. ولذلك أوصى السابقون بضرورة التحلّي بالصبر، لأنّه دواء أثبت فعاليته. لكنّ لأن سوء الحال طال أمده، وأشتدت محنته، ازداد  الطلب على المعروض من الصبر ، حتى نفد من الأسواق.

وقد يسألُ سائلُ ما الذي دعاني للخوض في طريق الحال، وكأن الدنيا خلتْ، ولم يبق أمامي سواه من طرق. وللإجابة على ذلك أقول إنني، في السنوات الأخيرة، صرتُ أستيقظُ من نومي مبكراً كل صباح. وما أن أغادر فراشي، حتى أجدني مسرعاً نحو المرآة. وحين أقف أمامها يقابلني وجه لا أعرفه، بملامح منقبضة ومتجهّمة. وكنتُ، في أوقات سابقة، أظنُّ أن الحالة مؤقتة. لكنّ الأمور لم تتغير. وملامح وجهي تزداد انقباضاً وتجهّماَ يوماً إثر آخر. وهذا يعني، حرفياً،  أن حالي، كما تفصح ملامح وجهي في المرآة، ليس بخير. وينبغي عليَّ السعي عاجلاً  لتغييره،  وليس تغيير وجهي، كما قد يعنّ للبعض. ولكن تقدّمي في درجات سلالم الزمن، يضعني في وضعية العاجز على إحداث تغيير. وهذا بدور يفضي منطقياً بي إلى ضرورة مغادرة جدران بيتي، وأن  أهرع ركضاً ووثباً إلى أول عيادة نفسية، وأعرض نفسي على اخصائي، يشخّص حالتي، و يساعدني على تجاوز المطبات والعوائق المسببة للانقباض الذي يسكن ملامح وجهي، منذ أكثر من عقد من الزمن. ونظراً لصعوبة تنفيذ الحلّ الأول، لم يبق أمامي سوى اللجوء إلى محاولة تجريب الحل الثاني، لعله يجدي. ورغم أنني وصلت إلى تلك القناعة منذ سنين، إلا أنني لم أتحرك قيد أنملة نحو التنفيذ. ومازلتُ كل صباح، أستيقظ من نومي، وأقف أمام المرآة، أنظر في أخاديد ملامح وجهي، متفقداً وضعية الحال، إن كان منصوباً بالفتحة، كما يقول النُحّاةُ، أم أنّه في وضعية ضَم أوجَرّ، كما تؤكد المِرآةُ.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …