منصة الصباح

مظاليم الجهاز الاداري

مظاليم الجهاز الاداري

محمود السوكني

في دول العالم الآخر تعتبر الإحالة إلى التقاعد نهاية سعيدة يترقبها الموظف بشغف بعد نهاية مشوار من الكفاح يكلل ببداية ممتعة من الراحة والاستجمام والوقوف مع النفس لمراجعة مسيرة من العطاء والبذل وسرد الذكريات وتقييم الأحداث والبحث عن الأصدقاء والمعارف والخلان للتعرف على أحوالهم وتجديد العلاقات بهم، وبناء علاقات جديدة تعطي للعمر مذاقاً ومعنى. المحال علي التقاعد في بلاد الله الواسعة ينتظر بفارغ الصبر تلك اللحظة ويحتفي بها ويعدها نقطة فاصلة بين الشقاء والتعب والراحة والمتعة فمنهم من يبدأ في الترحال من بلد إلى آخر ومنهم من ينشغل بالاعتناء بحديقة بيته وآخر ينصرف لتربية أحفاده بعد أن شغلته ظروف العمل عن الانتباه لواجبات الأبوة ، وهناك من يرى في نفسه القدرة على مواصلة العطاء فيعمل على فتح مشروع تجاري أو يشارك غيره في نشاط اقتصادي يتفق مع خبرته وتجربته الوظيفية…وهكذا .
في الدول النامية حيث ضرورات التقدم واللحاق بالركب تستدعي تضافر كل الجهود وتسخير كل الإمكانات البشرية والاستفادة القصوى من كل الخبرات وأصحاب التجارب ، فإن الوضع يختلف كثيرا إذ أن الوصول إلى سن التقاعد يعني ببساطة شديدة الموت السريري لتلك الكفاءة!!
رحلة المتاعب تبدأ من هذه النقطة ولا تنتهي إلا برحيل صاحبها عن الدنيا (!) فالمرتبات التي تقاضاها طيلة عمله الوظيفي شحيحة ومقطرة ولا مجال للتوفير منها ولا يمكن إدخارها لهذه الفترة العصيبة، والمعاش التقاعدي لا يغطي أبسط ضروراتها واحتياجاتها وبالتالي فإن الخيال لا يجنح إلى الفسحة والتجوال، ولا الراحة والاستجمام وأي تفكير في مشروع مهما صغر يصطدم بهذا الواقع المادي المأزوم.
المتقاعدون هم مجموعة من الخبرات والكفاءات التي صقلتها التجارب وعركتها الأيام، والأعمال التي أنجزوها لصالح الوطن وإن اختلفت من شخص لآخر، إلا أنها تشكل في مجملها مسيرة باهرة من العطاء الذي ساهم فيما وصلنا إليه ، ناهيك عن أنهم مواطنون لهم مالنا من حقوق، بعد أن أدوا ما عليهم من واجبات، ومن حقهم علينا أن نوليهم الرعاية التامة وأن نحفظ ماء وجوههم، ونجنبهم مذلة السؤال والاستجداء . نحن جميعا سنصل يوما إلى هذه النقطة الفاصلة وما نطالب به الآن من أجل هذه الشريحة يصب في مصلحتنا أيضا، باعتبارنا سنحتاجها. يوما ما .
ثم.. ما الذي يمنع من الاستفادة من هذه الخبرات إذا كان أصحابها على استعدادا لمواصلة العطاء، بغض النظر عن أعمارهم، مادامت الروح الشابة مازالت تعتمل في نفوسهم؟! سؤال قابل للنقاش .

شاهد أيضاً

حكايتان (2)

زكريا العنقودي   1-رحم المنامات !!   لم يعش سوى لحظات..لكن بكاه الجميع ، وحين …