التفكير خارج الدماغ
بقلم// أبو القاسم عمر صميدة
في كتاب «العقل الممتد» او التفكير خارج الدماغ ، للكاتبة الامريكية ( آني ميرفي بول) فأن استخدام الطباشير والسبوره في المدارس هو لمساعدة عقول الأساتذة وتمديد سعة المخ وتخفيف الضغط على المخ، ففي كِتابها المهم تسوق المؤلفة حجج حول أن بنية الدماغ البشري تعتريها أوجُه قصور شديدة الخطورة، تحُد من ملَكات التذكُّر، والانتباه، والتعامل مع المفاهيم المجردة.
ومع ذلك، فإن قدرات الجزء المعني بالتفكير من الدماغ تمتدُّ إلى ما يتجاوز تلك الأغشية المبطِّنة للجمجمة.
وفي ظل ما يشهده العالم الحديث من هوسٍ غير مسبوق بكل خارج عن المألوف من أفكار ومفاهيم مجردة، فإننا بحاجة للاستفادة من أية مساعدة يمكن لمفهوم «امتداد العقل» أن يقدمها لنا، وإن كان هذا الأمر، على وجه التحديد، هو ما يحاول المجتمع العلمي فهمه في الوقت الحالي، حسبما ترى المؤلفة، فعلي سبيل المثال، يمكننا إفراغ المعلومات خارج رؤوسنا عن طريق تدوين الملاحظات على أوراق لاصقة، أو في هواتفنا النقَّالة، أو أجهزة الكمبيوتر، أو بأن نُفضي بها إلى الأصدقاء والزملاء، أو حتى بالتعبير عنها بإشارات اليد. يمكننا أيضًا تحويل الأفكار إلى أشياء ملموسة، عن طريق بناء نماذج من المكعبات، أو الطوب، أو قِطَع الفسيفساء مختلفة الأشكال.
إن خروج المعلومات من رؤوسنا، وتجسّدها على هذا النحو، يعني أن بإمكاننا التفكير فيها، والتعامل معها من مسافةٍ محايدة، أي دون الاضطرار لدفع الثمن الإدراكي المعرفي الباهظ الذي تقتضيه الحاجة إلى إبقاء تلك المعلومات في مقدمة أذهاننا أثناء أداء تلك العمليات. وهنا يتخفف الدماغ من عبءٍ كان مفروضًا عليه، ويتفرغ لاستغلال ما أصبح متاحًا لديه من موارد إدراكية إضافية تُعينه على الفهم أو حل المشكلات.
وترى المؤلفة إن هناك تعاونًا واسع النطاق في مجال تمديد العقل، بدايةً من المدارس، وصولًا إلى المختبرات العلمية، غير أن فرضية الكاتبة ربما تكون مرتبطة بما تلاحظه من تفضيل الامتدادات الرقمية على الامتدادات المادية؛ كما نرى في إقبال الكثيرين على استخدام وتخزين المعلومات والأرقام في هواتفهم بدلا من تخزينها في الرؤوس، فإن طَرْح بول، الذي يدعو إلى رؤية الدماغ والجسد كجهاز تفكير مُركَّب ذي قدرات غير محدودة، يمكن تمديده وزيادة سعته يظل طرحًا مشوقًا، يجمع جهودًا ورؤية مقبولة، وترى المؤلفة في كتابها العديد من الحيَل التي يمكن من خلالها تعزيز قدرة الشخص على التذكُّر والتركيز والتحليل.
واحدة من بين تلك الحيَل، التي تحظى بتقدير واسع، هي حيلة «قَصْر الذاكرة» وفيها يربط الشخص العناصر المُراد تذكرها بمكان معيَّن فقد.
استخدم خطباء الإغريق والرومان القدامى طريقة «المواضع المكانية» تلك لتأسيس ترابُط ذهني بين النقاط المُراد تذكرها في خطاباتهم وبين نوافذ أحد المباني أو واجهات المتاجر في أحد الشوارع على سبيل المثال، كأن يربط الشخص تاريخ عيد ميلاد اهله او أولاده برقم معين او كلمة سر وهكذا، وقد اثبتت دراسات علمية من فعالية تلك الطريقة، التي تبيَّن أنها تقوم على الاستفادة من قدرات نظام المِلاحة الطبيعي في الدماغ.
كما كشف علماء الأعصاب الإدراكية أن سائقو سيارات الأجرة في المدن الكبري، تنْشَط لديهم الذاكرة المكانية.
واخيرا يخوض الكتاب في مسألة أخرى، هي كيفية تأثير البيئة المحيطة على طريقة التفكير، فالاماكن الضيقة والمزدحمة لا تساعد على التفكير المريح، وفي الماضي ارتبط الإبداع بوجود آلهدؤ والمساحات الخضراء والهواء النقي واشعة الشمس.