منصة الصباح

التعليم والصحة بين الصعود والهبوط

التعليم والصحة بين الصعود والهبوط

 

د.علي المبروك ابوقرين

بالأمس القريب جدا والمعاصر في ستينيات القرن العشرين كان عدد المدارس الابتدائية في ليبيا محدود جدا ، وللرغبة الشديدة في التعلم تمت الاستعانة بأي مباني متاحة: بيوت طليان او كازيرمات (مراكز جيش أو بوليس الاحتلال) او معسكرات الإنجليز وبعض الاكواخ ، ونظرا لقلة المدرسين تم الإعتماد على من لديهم القدرة في المستويات الابتدائية من السنة الرابعة وما فوق ، وفتحت معاهد التعليم المتوسط لتخريج أعداد كافية تغطي النقص الحاد في المعلمين .

وكذلك أنخرط في التمريض أعدادا من الجنسين بوقت مبكر ، والتحقوا بالسبيتارات (المستشفيات) المحدودة جدا واخذوا دورات في التمريض من التمريض الايطالي ، وتعلموا اللغة الايطالية بالممارسة وقاموا بواجباتهم على أكمل وجه وقدموا خدمات جليلة في الرعاية الصحية لذويهم في ذلك الوقت الذي كان فيه عدد الاطباء الليبين يُعد على الأصابع .

ثم أنتشرت المدارس والمعاهد التعليمية المتخصصة للمعلمين والتمريض والمهن الاخرى، وانتشر التعليم التانوي والمعاهد العليا في النصف التاني من السبعينات وألتحقت أعداد كبيرة بالجامعات الليبية والعربية والأجنبية ، ومن كان لهم الحظ في التعليم مبكرا عادوا مبكرًا مؤهلين في التخصصات العلمية والادبية ، كالهندسة والطب والعلوم والزراعة والتربية والحقوق والاداب والاقتصاد والعلوم السياسية والتجارة وانتشرت الجامعات في معظم المدن الليبية على قواعد قانونية ولوائح إجرائية تؤسس لعملية التنمية البشرية ، على أسس علمية صحيحة مسترشدة بالتشريعات والقوانين المحلية الصارمة والثوابت العلمية الحديثة المؤيدة بالادلة العلمية حتى صارت البلاد تزخر بالعلماء والباحثين والمتخصصين في جميع المجالات العلمية والأدبية والمهنية ، وفي وقت قصير جدا في عمر الأمم قفزت البلاد من الجهل والتخلف للعلم والحضارة وتحققت المؤشرات العالمية في التعليم والصحة والدخل والحماية الاجتماعية ..

وللاسف سرعان ما بدأ المنحنى التنموي في الإنحدار ، وتدهورت أحوال الإدارة ، وتراجعت العملية التعليمية والتربوية التي تبدأ من دور الحضانة ورياض الاطفال إلى الجامعة وما بعدها .بعدم الاهتمام بتطوير البنية التحتية في المباني والمناهج والأساليب التعليمية والتربوية ، والتقنية والتكنولوجيا ، والتقصير في رفع الكفاءة لقطاع عريض ومهم من المعلمين والمعلمات ، وكذلك عانت الجامعات وكلياتها بكل تخصصاتها من الإهمال وعدم التطوير ، وفاق عدد الدارسين كل إمكانيات الجامعات والمعاهد في سعة الاستيعاب وأعداد هيئات التدريس الذين تنطبق عليهم الشروط ، وعدم مواكبة التطورات التقنية والتكنولوجية والأساليب التعليمية والتربوية الحديثة ، وتراجع البحث العلمي في كل المناحي ، ولجأ البعض للدراسة في دول العالم المختلفة للحصول على الشهادات والمؤهلات التي تحقق الانخراط في سوق العمل واستمرار الحياة .

انعكس هذا على جودة ومخرجات التعليم العام والجامعي وكانةالقطاع الصحي أحد القطاعات المتضررة لأن القوى العاملة الصحية هي أهم عناصر وأعمدة النظام الصحي الذي لازال يعتمد على مؤهل التمريض المتوسط بنسبة أكبر ، ومعاهد عليا بنسبة أقل ، ومستوى جامعي حديثا وقليل جدا . ومعاهد التمريض تفتقد لأدنى متطلبات تعليم التمريض ، وغياب تام لمدارس ومعاهد التمريض المحاكاة ، والمناهج والأساليب التعليمية وظلت الامكانات المتاحة بعيدة كل البعد عن التطورات التقنية في العلوم الطبية مثال الذكاء الاصطناعي والتجهيزات الطبية الحديثة في التشخيص والعلاج واستخدام الروبوتات والتدخلات عن بعد والتطورات في اساليب وبرتوكولات العلاج ، ونظرا للتدهور في المنظومة الاستشفائية في كل مستويات الخدمات الصحية انعكس على التدريب السريري للتمريض .

وهذا انبرى كذلك على العلوم الطبية الجامعية التي لم يطرأ على كلياتها أي تطور في البنى التحتية ، ولا في الإمكانات التقنية والتكنولوجية واللوجستية ، ولا في السعة الاستيعابية وفق طرق وأساليب دراسة العلوم الأساسية الحديثة التي تعتمد على المجموعات الصغيرة ، والتعليم التفاعلي ، والمشاريع البحثية ، وكذلك التدريب والتعليم السريري المفقود شكلا ومضمونا ، وأُجبرت الأعداد المتزايدة من الخريجين على البحث عن طرق مختلفة منها الجيد والمعتمد ومنها التجاري من أجل الحصول على شهادات بات ضررها كبير جدا ، وتضاعف حجم الضرر في غياب المتابعة والإشراف والتقييم الدقيق والاعتماد الرسمي .

وحيث أن معدلات سرعة الحياة ورغبة وقدرة الأجيال الجديدة اكبر من إمكانيات الجهات المسؤولة عن ادارة وتشغيل قطاعات التعليم والصحة وهذا يتطلب سرعة إتخاذ الإجراءات اللازمة للإصلاح الجذري لقطاعات التعليم والصحة ، وتقييم الوضع الحالي ، ووضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج العملية لمعالجة جميع العيوب بشكل علمي دقيق .

إن الاستقرار والاستدامة والأمان والحماية الاجتماعية والرفاه متطلبات اساسية لن تتحقق الا بالعلم والمعرفة والصحة والعافية ..

والنظام الصحي يحتاج لإصلاح جذري وإعادة بنائه بسياسات واضحة تعمل بها وتطبقها كل مؤسسات ألدولة التشريعية والتنفيذية وبنائه بقواعد متينة متماسكة مترابطة بتراتبية ومنهجية محددة بهياكل تنظيمية وإمكانيات قادرة على تحقيق قدرة النظام الصحي على الاستجابة والتكيف والمرونة والأمان والإتاحة مع سرعة الوصول والحصول على الخدمات الصحية لكل الناس في كل مكان بمعايير موحدة.

نظام صحي يحقق دور القطاع الصحي الواحد المتماسك المسؤول عن صحة الأمة وتعزيزها وتمكينها من صحتها ويحقق لها الرفاه .

وهذا يتطلب عشرات الآلاف من الأطباء المهرة والعناصر الطبية المساعدة تمريض وفنيين واداريين مجازين بشهادات عليا معتمدة وجميعهم لهم خبرات عالية في جميع التخصصات ، وبنية تحتية صحية حديثة متكاملة تغطي النظام من التعزيز للتأهيل ..

وكل هذا وذاك يحتاج لإرادة وادارة ومعرفة وعلم وخطط وإستراتيجيات تنموية طويلة الامد .

التعليم والصحة رسالة

التعليم والصحة رسال إنسانية عظيمة المكسب الحقيقي منهما هو بناء حضارات الشعوب وتقدمها ..

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …