منصة الصباح

هل أضحى التسوّل مهنة ؟!

هل أضحى التسوّل مهنة ؟!

محمود السوكني

 

تجدهم في كل ناحية و أمام كل مسجد و داخل كل مقبرة يجوبون الشوارع و يملؤون الساحات ، سلاحهم العاهات المتعمدة و وسيلتهم الأدعية و نسج القصص المأساوية.

يتعمدون ارتداء الثياب الرثة ، و بعضهم يصطحب أطفالاً يقال إنهم استأجروهم لزوم الحبكة الدرامية و استدرار عواطف المارة يتوزعون بنظام جغرافي دقيق ، لا يتعدى أحدهم على موقع الآخر إلا باتفاق مسبق تحكمه المادة و المصالح و الفتونة أحياناً ! أغلبهم إن لم يكن كلهم من الوافدين على هذه الأرض ممن استمرؤوا لغة الاستجداء و أتقنوا فنونها ، فأضحى التسول مهنتهم التي تدر عليهم أرباحاً طائلة في استغلال مريع لطيبة هذا الشعب الذي بالكاد يجد قوت يومه !

لم تنفع معهم كل الوسائل الضبطية التي تطاردهم في كل مكان ، و لم تفلح كل الحلول في وقف نشاطهم الذي يتزايد باضطراد مفزع وثبت عجزنا عن وقف مدهم ، و شل حركتهم ، و منع الإساءة البالغة التي يقترفونها في حق هذا المجتمع .

التسول أصبح مهنة عالمية نشاهدها في أماكن عدة من هذا العالم المترامي الأطراف ، و شرط ذيوعها و انتشارها مرتبط بالحالة الاقتصادية لتلك الأماكن و ضآلة دخل مواطنيها الذين تجبرهم الظروف الصعبة على امتهان هذه الوسيلة لكسب الرزق في غياب قدرة المجتمعات التي تنتمي إليها على سد حاجاتها و تحمل مصاريفها و هي في هذه  قد لا تلام على هذا الفعل باعتباره الحل الوحيد الذي تجده لضمان بقائها على قيد الحياة .

في هذا البلد الذي يطمع في خيراته القاصي و الداني و تمتلئ خزائنه بأموال النفط و يعاني من التضخم المالي فيما سكانه لا يتعدون السبعة ملايين نسمة في أحسن الأحوال لا يصح و لا يعقل أن يكون بين مواطنيه من يمتهن هذه الوسيلة الوضيعة كما لا يجوز أن يعيش على ظهرانيه  من يتسول لسد حاجاته !!

الوافدون ، إما أن يكونوا أصحاب حرفة ، أو خبرة ، أو يملكون القدرة على أداء عمل ما ، و هم في هذا مرحب بهم ونسعد باستقبالهم .

أما الذين يعتقدون في قدرتهم على الكسب غير المشروع بسرقة المشاعر أو سرقة الجيوب لا فرق ، فهم واهمون و سادرون في غيهم و علينا واجب وطني أن نحاربهم ونمنع توغلهم بيننا .

نحن نمد أيدينا لكل ساعد مفتول يساهم في البناء و نشرع صدورنا لاستقبال كل كفاءة تخدم مصالحنا و تؤثث بيتنا و تشيد بنيانه وتنهض بصروحة . لكننا لن نسمح لوافد يستغل طيبتنا ويضحك على ذقوننا  بأداء تمثيلي مشين .

لا نريد لهذه الظاهرة المخزية  أن تستشري حتى يصعب علينا محاربتها ، و نعجز عن القضاء عليها ، و لا نريد لها أن تكون سببا في تقويض علاقاتنا الحميمة بأشقائنا و إخوتنا من عرب و أفارقة نريدها أن تكون حالات مرضية يمكن معالجتها و إغلاق ملفاتها .

لو كان التسول الوسيلة الوحيدة التي ترغم المواطن على إمتهانها لسد حاجاته الضرورية فإن ذلك يعد وصمة عار تلطخ جبين كل مسئول موجود في السلطتين التنفيذية و التشريعية لا فرق .

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …