منصة الصباح
التريند والقراءة: بين العمق والوميض ..

التريند والقراءة: بين العمق والوميض ..

الصباح/ حنان علي كابو

في زمن يسيطر فيه الترند على منصات التواصل الاجتماعي، تتجلى تساؤلات مهمة حول دوره في المشهد الثقافي: إلى أي مدى يمكن أن يوجّه ذائقة القارئ حتى دون أن يشعر؟ وهل يمنح الترند الكتب حياة أطول أم يستهلكها بسرعة؟ كما يثير السؤال عن اكتشاف الأعمال الأدبية بعد انتهاء ضجة الترند، وعن القيمة الحقيقية للقوائم القرائية المنتشرة عبر الشبكات، وما إذا كان الترند يخدم الأدب أم يسطيح الذائقة العامة.

المترجم فرج عبد السلام

تأثير التريند على ذائقة القاريء

المترجم فرج عبد السلام يرى أن مصطلح الترند، المستخدم لوصف الاتجاه أو الموضوع الذي يحظى باهتمام كبير في وسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي في ثقافة المجتمع، له تأثير في توجيه ثقافة القارئ، وقد يمنح الكتب حياة أطول. كما يعتبر أن أعمال المفكر نصر حامد أبو زيد أعمالًا أدبية رائعة تدعو إلى التحرر من سلطة النص وتقديم تفسير جديد للقرآن، وكتبًا رائدة في هذا المجال، واستمتع أيضًا بقراءة “حفلة التيس” لبارغاس يوسا. وفيما يتعلق بالقوائم القرائية المنتشرة على وسائل التواصل، يشير فرج عبد السلام إلى أنها قد تخدم الأدب، فهي تساعد على نشره خارج دوائر النخبة وتفرض لغة جديدة، قريبة من الناس، مختصرة ومباشرة.

الروائي إبراهيم عثمونه

الترند كأداة للتسويق والمعرفة

من جانب آخر، يرى الروائي إبراهيم عثمونة أن الترند ليس من اهتماماته الأدب أو لم يجد ذاته فيه، لكنه في الوقت ذاته وسيلة جيدة للتسويق والدعاية والانتشار. الترند وُجد بالأصل لتوجيه الذائقة في عصر السوق، لكنه لا يقتصر على الاستهلاك فقط، بل يمكن توظيفه في إنتاج ونشر المعرفة والوعي بأشكال متعددة. وبرغم أن الترند يتغذى على الضجيج وسرعة الحركة، إلا أنه بومضة قادرة على إيقاظ الذائقة ومخاطبتها فنياً، شرط أن تكون المادة المراد “تردنها” جيدة وتذخر بما يكفي. وبما أن الأدب والقراءة يأتيان في آخر اهتمامات الترند الحالي، فإن التعامل معه بحذر يمكن أن يسمح بعرض الكتب بطرق تختلف عن الصخب الرقمي والابتذال الذي يجذب الملايين خلال دقائق معدودة.

الروائي قصي البسطامي

الترند وسرعة الاستهلاك

أما الروائي قصي البسطامي ، فيرى أن التضخم الدعائي لا يديم بقاء الدعاية الحقيقية، لأن الترند عادة لا يستمر طويلًا، وكل ترند جديد يحل محل سابقه. ازدحام الإصدارات بسبب سيولة المعرفة يجعل القارئ مربكًا ومشتت الذهن، ما يؤدي أحيانًا إلى خيبة أمل نتيجة الفارق بين الدعاية التسويقية والمحتوى الداخلي للكتاب. وفي هذا السياق، يشير إلى أن الترند غالبًا يستهلك الكتب ويخفض من شأنها، إلا أنه أحيانًا يمنح الكتاب صداه وانتشاره الواسع إذا كان المحتوى الداخلي يستحق ذلك. لكنه يحذر من الانحراف نحو المواضيع التافهة لجذب أكبر عدد ممكن من القراء، ما يؤدي إلى التسطيح والابتذال. ويؤكد أنه لم يحب أي عمل بسبب ضجة الترند، بل يبحث دائمًا عن الكتب التي يجذبه محتواها بعيدًا عن سوق الترند، لأن الثقافة والمعرفة مجالان حساسان لا يلتقيان مع سرعة الضجيج الرقمي. ويضيف أن الأذواق في هذا الزمن نسبية ومتنوعة، وقد يكون التسويق لعمل ما في محله إذا كان يهدف لتشجيع القراءة، دون أن يكون مجرد تسويق شخصي لصالح الكاتب نفسه. ويرى أن الترند المتضخم غالبًا يسطيح الذائقة الجماعية ويحولها للتسلية البسيطة، كما أشار أمبرتو إيكو، الذي اعتبر أن انتشار الجهل والتفاهة أخطر من القنابل النووية.

الروائية سعاد الورفلي

القارئ الحقيقي والقراءة العميقة

من جانبها، ترى الكاتبة الروائية سعاد الورفلي أن الترند يشد الانتباه في البداية لكنه سرعان ما يخبو، أي أن أي شيء يشتهر بسرعة ينطفئ سريعًا، خاصة في مرحلة النسيان. القارئ الحقيقي تظل ذائقته مشتعلة للقراءة دون الحاجة لتوجيه أو ضجيج، بينما البعض يتأثر بالترند مؤقتًا، مثل أثر ندى الصباح على زجاج السيارة، ما إن تشرق الشمس حتى يتلاشى أثره. وتشير الورفلي إلى أن الكتب في حد ذاتها هي الحياة، والحياة الأطول لها هي القراءة الدائمة، فطالما هناك قارئ واعٍ، فهناك حياة ثقافية وفكرية وروحية، وإطالة عمر الكتب تكون بالقراءة ونشر ثقافة القراءة وليس عبر الترندات قصيرة الأمد.

الترند كفرصة لتعزيز القراءة

ومع ذلك، في زمن السرعة الرقمية والذكاء الاصطناعي، قد يفيد الإعلان عن مجتمعات القراءة أو الكتب المؤثرة أو المكتبات العتيقة على أن تصل هذه المبادرات لتريندات تبرز الكتب لتصبح عادة مألوفة للأجيال الجديدة. وتؤكد الورفلي أن الأديب الجاد لا ينبهر بالتدافع على الترند مثل من يحجز مقعدًا في الصفوف الأمامية لمشاهدة عمل فني، بينما المشاهدون الأكثر انتباهًا هم في الصفوف الخلفية، ورؤيتهم للعمل أدق وأعمق، فالعمل الجيد يفرض نفسه ولا يحتاج لضجيج الترند، فكتّاب كبار مثل طه حسين ما زالت أعمالهم تتصدر الساحة بفضل قوتها الأدبية والبلاغية دون أي ضجيج رقمي واسع.

أثر الترند على الذائقة العامة

أما القوائم القرائية على وسائل التواصل، فقد تكون أداة لتشجيع القراءة خاصة في المجتمعات التي تهمل المكتبات ومعارض الكتب، فالترند هنا قد يساعد في فرض قيمة القراءة والإلحاح بها عبر كل المنصات لتصل إلى النفوس التي تجمدت قريحتها بسبب السوشيال ميديا. وأخيرًا، تسطيح الذائقة يحدث بسبب سوء استخدام الترند، أما الأثر الحقيقي فيبقى من نصيب العمل نفسه، لأن قوة العمل هي ما تقوي ذائقة القارئ، وليس مجرد الخبر أو الضجة الرقمية، بينما البحث عن الاختصار في كل شيء يحول الحياة إلى تريند صغير يختصر كل التفاصيل، فيما يبقى الأثر الأدبي هو ما يخلد في الذاكرة والوجدان.

شاهد أيضاً

من تركيا إلى ليبيا.. ذهبية عالمية جديدة تلمع باسم أنس زقلم

من تركيا إلى ليبيا.. ذهبية عالمية جديدة تلمع باسم أنس زقلم

توج البطل الليبي أنس زقلم بالميدالية الذهبية في بطولة العالم للقوة البدنية للمكفوفين فئة وزن …