أحلام محمد الكميشي
بلغ إنفاق وزارة الصحة الليبية نحو مليار ونصف دينار خلال الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، ورغم ذلك لا تزال أغلب المرافق الصحية العامة تعاني من نقص حاد في الخدمات، فيما يُجبر كثير من المرضى على الإنتظار أو السفر أو الإستنزاف على مذبح القطاع الخاص حتى للحالات المستعجلة، بينما تتزاحم العيادات والمختبرات والمصحات الخاصة حول المستشفيات العامة لتسدّ العجز المفتعل للقطاع العام وتستهدف جيوب المواطنين، وفي المقابل، يظل توطين العلاج وتفعيل التأمين الصحي مجرد شعارات تنتظر المساواة في التنفيذ في ظل غياب الرقابة والمساءلة وتفضيل البعض لاستخدام الشفافية لتصفية الخصوم على دعم العدالة كمطلب عام.
مؤخرًا أُحيل عدد من مسؤولي قطاع الصحة إلى القضاء بعد فضيحة أدوية الأورام المستوردة من العراق، ما يفتح باب الأمل في أن تطال العدالة كل ملفات الفساد بهذا القطاع وغيره، ويثير في الوقت نفسه أسئلة جوهرية حول الفجوة بين إصدار القوانين الصحية الليبية وانتقائية تنفيذها على أرض الواقع، فالقانون رقم (20) لسنة 2010م بشأن نظام التأمين الصحي على سبيل المثال ينص في مادته الأولى على إلزامية الإنتساب لنظام التأمين الصحي لجميع المواطنين والمقيمين، ويلزم في مادته الثالثة جهات العمل العامة والخاصة بالإشتراك لصالح منتسبيها في إحدى أدوات التأمين الصحي والمساهمة في حصة المشترك ويحدد الفئات التي تتولى الدولة دفع القيمة كاملة عنها، وتفرض المواد (13 – 14) منه عقوبات للمخالفين، فيما تحدد المادة (28) من اللائحة التنفيذية للقانون قيمة الإشتراك ونسبة مساهمة كل من المشترك وجهة العمل والدولة، إلا أن الإلتفاف والإنتقائية في التنفيذ يحسمان المعركة دومًا ضد المواطن الغلبان الذي لا ينتمي لكوادر العاملين بقطاعات النفط والمصارف والضمان الاجتماعي ويضطر لتسديد تكاليف العلاج مرتين واحدة للدولة بميزانية انفاق مليارية لقطاع الصحة وأخرى للقطاع الخاص في الداخل والخارج وتزيد معاناته بسبب تحكم مزودي الخدمة في الأسعار بناء على سعر الدولار في السوق السوداء دون ضبط من الدولة ولا متابعة من مؤسسات حماية المستهلك الغائبة على الدوام، منتظرًا حقه في التمتع بسياسات صحية عادلة كتلك المتبعة في دول الخليج العربي وأوروبا وأمريكا وكندا..