في تطور علمي جديد يعيد رسم فهمنا لنمو القدرات الذهنية لدى الإنسان، كشفت دراسة أمريكية حديثة أن البيئة التي يعيش فيها الطفل خلال أشهره الأولى تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل قدراته المعرفية على المدى الطويل، وقد تكون مؤشرًا مبكرًا على مستوى ذكائه في سن الرشد والشيخوخة.
الدراسة، التي نُشرت في دورية PNAS، شملت أكثر من 1000 توأم تتبّعهم الباحثون منذ كانوا رُضّعًا ضمن دراسة كولورادو الطولية للتوائم، التي أطلقها معهد علم الوراثة السلوكي بجامعة كولورادو بولدر عام 1985.
ووفقًا للباحث الرئيسي د. دانيال جوستافسون، فإن الملاحظات المبكرة لسلوكيات الأطفال – مثل تعبيرهم الصوتي، وميولهم تجاه الألعاب الجديدة، وقدرتهم على التركيز – يمكن أن تُستخدم للتنبؤ بجوانب من تطورهم المعرفي لاحقًا في حياتهم.
وبحسب ما توصلت إليه الدراسة، فإن التقييمات الإدراكية التي أُجريت على أطفال في عمر لا يتجاوز سبعة أشهر ساهمت في التنبؤ بما يصل إلى 13% من أدائهم في اختبارات معرفية عند بلوغهم سن الثلاثين.
وبرزت من بين هذه المؤشرات “تفضيل الجدة” – أي ميل الرضيع للتفاعل مع ألعاب أو تجارب جديدة – إلى جانب قدرتهم على التوجّه الذهني والاستمرار في المهام.
الدراسة أكدت كذلك أن البيئة المحيطة بالرضيع لها تأثير أعمق بكثير مما كان يُعتقد، حيث تمثل عاملًا أساسيًا في تشكيل قدراته المعرفية طوال مراحل حياته. وتوضح د. شاندرا رينولدز، أستاذة علم النفس والمؤلفة المشاركة في البحث، أن نوعية الرعاية والتفاعل خلال تلك الفترة الحساسة من حياة الطفل قد يكون لها أثر يمتد لعقود، بل وقد يرتبط حتى بمخاطر التراجع المعرفي أو الخرف في مراحل متقدمة من العمر.
نتائج الدراسة تقدم حجة قوية لأهمية التركيز على جودة الرعاية، والتحفيز العقلي، والتفاعل الإيجابي في السنوات الأولى من حياة الطفل، إذ أن هذه العوامل تشكّل حجر الأساس لما سيكون عليه الفرد لاحقًا من حيث الفهم والتعلّم والقدرة على مواجهة التحديات المعرفية.