منصة الصباح

بعد مبادرات البعثة الأممية المتعددة

الصباح/ خلود الفلاح

 

هل الهيئة الاستشارية “مبادرة جديدة” لتحريك العملية السياسية المعطلة؟

 

شكلت البعثة الأممية للدعم ليبيا في الرابع من فبراير 2025، لجنة استشارية تسعى إلى معالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، ووضع خيارات لتحقيق الاستحقاق الانتخابي.

تتألف اللجنة الاستشارية من 20 شخصية ليبية، تم اختيارهم بناء على تقييم البعثة لخبراتهم وتجاربهم القيادية.

هذه اللجنة الاستشارية ليست هيئة لاتخاذ القرارات أو ملتقى للحوار، بل تعمل ضمن سقف زمني محدد. وستقدم اللجنة مخرجاتها إلى البعثة الأممية، والتي ستعمل بدورها على الأخذ بها في المرحلة اللاحقة من العملية السياسية.

في المقابل، يهيمن الرفض التشاؤم من قبل قطاعات كبيرة من الشعب الليبي، معللين ذلك، بأن البعثات الأممية أخفقت في تقديم حلول حاسمة على مدار قرابة 14 سنة، حتى دخلت في مرحلة تدوير الأزمة.
ونسأل، هل ستحقق هذه اللجنة الاستشارية تقدما في مسيرة الجمود السياسي الليبي أم أن مصيرها مشابه لكل مسارات البعثة الأممية والتي وصفت ب “الفاشلة”.

حنين بوشوشة

القوى الفاعلة على الأرض

وترى رئيس منظمة نوازي للدراسات والتنمية حنين بوشوشة، أن الملف الليبي معقّد للغاية وجميع المبادرات الأممية السابقة واجهت صعوبات كبيرة بسبب تداخل المصالح المحلية والدولية وانعدام الثقة بين الأطراف المتنازعة. أن تشكيل لجنة استشارية جديدة في فبراير 2025 يبدو خطوة أخرى في سلسلة محاولات لكسر هذا الجمود، لكن نجاحها يعتمد على عدة عوامل جوهرية. وهي:

ـ تمثيل شامل ومتوازن: إذ تضمنت اللجنة شخصيات تحظى بالقبول من جميع الأطراف بما في ذلك القوى السياسية والقبائل والمجتمع المدني، وهذا أمر محمود يسهم في خلق أرضية مشتركة.

– التزام دولي حقيقي: من دون ضغط فعلي من القوى الدولية المؤثرة (خاصة الدول التي لها نفوذ مباشر في ليبيا) فإن أي مبادرة أممية ستظل حبراً على ورق.

-إطار زمني واقعي: التعلم من أخطاء الماضي يعني أن هذه اللجنة بحاجة إلى خطة تنفيذية واضحة وقابلة للتحقق، بدلاً من مجرد توصيات نظرية.

وتتحدث حنين بوشوشة عن إصرار البعثة الأممية على اتباع نهجها التقليدي، مفضلة تدوير الأزمة مرة أخرى بدلاً من البحث عن حلول جذرية ومبتكرة. واستطردت: “ومع ذلك لديّ ثقة كبيرة بأن الشخصيات المختارة لهذه اللجنة ستبذل قصارى جهدها للوصول إلى حل عملي. فمن الواضح أن البعثة الأممية في محاولة للالتفاف على استحقاقات الواقع اختارت هذه المرة أن تستعين بخبرات وطنية لامعة، بدلاً من الاكتفاء بمستشاريها الدوليين والإقليميين. فقد ضمت اللجنة أسماء مشهودًا لها بالكفاءة والفاعلية سواء من خلال أدوارها القيادية أو إسهاماتها المؤثرة في المجتمع المدني”.

وتابعت: يبدو أن البعثة التي أرهقتها الانتقادات المتزايدة لجأت أخيرًا إلى هذه النخبة علّها تقدم حلولًا حقيقية بعدما عجزت هي عن وضع رؤية واضحة تنهي حالة الجمود السياسي. ومع ذلك، ورغم هذا التشاؤم الواقعي، أتمنى بصدق أن أكون مخطئة، وأرجو كل التوفيق للجنة في تجاوز هذه العقبات وكسر دائرة الانقسام.

منصور عاطي

من جانبه، أشار الحقوقي والصحافي منصور عاطي، إلى أن تشكيل اللجنة الاستشارية يوضح أنه لا يوجد مسار آخر قابل للتطبيق ونتائجه قابلة للقياس والتطبيق سوى هذا المسار، أما مسألة فعاليتها وقدرتها على حلحلة عقد الأزمة وتليين الجمود السياسي والمضي به قدًما فهي مسألة تخضع لماهية النقاط الخلافية التي سيعملون عليها، بمعنى أوضح أن كانت النقاط مسائل قانونية بحت، فليس لدي ادنى شك بقدرة أعضاء اللجنة على خلق توافق فهم خبرات وثقات في مجالاتهم وكذلك في متابعتهم للمشهد الليبي، ولكن إذا كانت النقاط لها أبعاد سياسية، هنا لا اعلم مدى الزامية ما سيقومون بتعديله أو كتابته، لان المعادلة تظل ناقصة، طالما الأطراف السياسية (القوى الفاعلة على الأرض) غير ممثلة في اللجنة، وهذا أراه إشكال داخل الحل، هل ستأخذ أطراف النزاع الأمر بجدية، أم أن التفاهمات السياسية بين الأطراف هي التي تحدد قابلية التعديلات بالنسبة لهم من عدمها.

تاريخ مبادرات البعثة

قدمت البعثة الأممية في ليبيا عدة مبادرات ومسارات لحل الأزمة السياسية، لكن يبدو أن لا شيء قد تحقق على أرض الواقع.

ونذكر منها، مساهمة المبعوث الأممي الإسباني برناردينو ليون، في جمع غالبية الفرقاء السياسيين لتوقيع الاتفاق السياسي في مدينة الصخيرات المغربية في نوفمبر 2015، وغادر منصبه دون الوصول إلى أتفاق.

وجاء خلفه المبعوث الأممي الألماني مارتن كوبلر، الذي تمكن من تحقيق خطوة محدودة على طريق تطبيق “اتفاق الصخيرات”، حين بدأ المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق برئاسة فائز السراج، في تشكيل الحكومة في مارس عام 2016، إلى جانب استحداث المجلس الأعلى للدولة كغرفة برلمانية ثانية.

بعدها، جاءت ولاية المبعوث الأممي اللبناني غسان سلامة، الذي أحدث رغم استمرار الانقسام السياسي والعسكري في البلاد، تقدم ملموس في ملفات المصالحة والحوار، وإجراء تعديلات على “اتفاق الصخيرات”، لكن الحرب على طرابلس (2019 – 2020) لم تمكن غسان سلامة من تفعيل خطته، إذ كان يسعى إلى عقد “مؤتمر جامع” للفرقاء الليبيين بمدينة غدامس، وانتهت ولاية غسان سلامة بالاستقالة.

واستطاعت المبعوثة الأمريكية ستيفاني وليامز إقامة “ملتقى الحوار السياسي الليبي” في جنيف، الذي انتخب محمد المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً للوزراء، وكان من المقرر أن تجرى على أثره انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر 2021، قبل إلغائها.

وفي نوفمبر 2023، جاءت دعوة المبعوث الأممي السنغالي عبد الله باتيلي، الأطراف الفاعلة في ليبيا إلى حوار سياسي لحل الأزمة، لكن يبدو أن باتيلي أدرك وصول مهمته إلى استمرار حالة الانقسام. فتقدم بالاستقالة. تاركاً مهامه إلى نائبته ستيفاني خوري، التي طرحت بدورها مبادرة حل سياسي في ديسمبر الماضي.

هشاشة اتفاق الصخيرات

وتشير حنين بوشوشة ـ وهي نائب مدير مركز دراسات وابحاث الهجرة أيضا ـ إلى عدد من المخاوف المشروعة، منها: ـ التاريخ القريب غير مشجّع: كثير من الليبيين ينظرون إلى مسارات الأمم المتحدة السابقة باعتبارها “فاشلة” لأنها لم تُنتج سوى هدنة مؤقتة أو اتفاقات لا تنفذ على الأرض بما يسمى “سلام سلبي” بل وقد أفرزت الفترة الماضية والمسارات المختلفة ما يُعرف بالفساد الرسمي الاحتكاري وهو ما ادخل البلاد في حلقة مفرغة وتدهور للوضع الاقتصادي واستمرار الانقسام.

ـ الاستقطاب الداخلي والخارجي: استمرار التدخلات الخارجية والانقسامات المحلية (بين حكومتي طرابلس وبنغازي) يضع أي مبادرة أمام عقبات صعبة التجاوز.

– غياب الإرادة السياسية: حتى لو خرجت اللجنة بمقترحات جيدة، يبقى التحدي في التزام الأطراف الليبية بتنفيذها. وبالتالي إن لم تتمكن هذه اللجنة من كسب ثقة الأطراف الليبية وإقناعهم بأن الانتخابات تخدم مصالح الجميع، فقد يكون مصيرها مشابهاً لمبادرات سابقة. مع ذلك ربما يكمن الأمل في أن الوضع الراهن لم يعد يحتمل مزيدًا من المماطلة ما قد يخلق فرصة نادرة لكسر هذا الجمود، لكن هذه الفرصة تظل هشة الواقع أن البعثة الأممية بدلاً من تسهيل مهمة اللجنة الاستشارية وضعت أمامها عقبة جديدة تزيد المشهد تعقيداً.

وتضيف: “من الواضح لأي متابع للشأن العام الليبي إدراك ان أي حل حقيقي للأزمة الليبية يستلزم القطيعة مع خارطة طريق الحوار الوطني ومقترحات لجنة 6+6 التي أثبتت أنها ليست سوى حلقة جديدة في مسلسل المراوحة السياسية. بل وأكثر من ذلك لا يمكن الحديث عن استقرار حقيقي دون تجاوز جاد وحقيقي للاتفاق السياسي الهش “الصخيرات” الذي سمحت بنوده الفضفاضة باستمرار الفوضى والانقسام الذي نعانيه اليوم”.

ويرفض منصور عاطي، التقليل من شأن اللجنة وعملها، ويضيف: “ولكن البعثة أن كانت جادّة ولديها دعم دولي وخاصة من الأطراف المتدخلة والمتداخلة في الملف الليبي، هذا يعني أنها تستطيع أن تمرر المسودة التي ستخرج وتعتمدها من قبل الأطراف السياسية والعسكرية المتحكمة، ولكن إذا كانت هي محاولة من ضمن جملة محاولات فستفضي الجهود إلى اللا شيء. لن تكون هذه اللجنة كلجنة 75. فهي تختلف من حيث الاختصاصات، إذا أردنا أن نقارنها فهي أقرب إلى “لجنة فبراير”، أتمنى أن ما سيقومون به من عمل يلقى قبولاً لدى الأطراف السياسية، وإلا فلن يكون هناك أمل لا هنا، ولا هناك.

 

شاهد أيضاً

قلعة العوينات: حكاية صمود بين رمال الصحراء

مصطفى خليفة في قلب الجنوب الغربي الليبي، وعلى بعد حوالي 120 كيلومترًا شمال مدينة غات، …